الحيـــــــاء

اسم الله الحيي الستير سبحانه جل جلاله (23-32)

 

وقد يبتلي الله العبد بهذه القاذورات من المعاصي فيستره الله عز وجل، فلا يعلم أحد منه ذلك، وهذا من أعظم الفضل والجود منه، ولذا فإن ستره سبحانه أعظم الستر؛ لأن الستر هو ستر القبيح، ولكن أعظم الستر ستر القبيح وإظهار الجميل، وهذا ستر الستير جل وعلا، فإنه ستر قبيح أعمالنا وأظهر الجميل أمام الناس.

ولذا قال بعض السلف: والله لو كان للذنوب رائحة لنفر الناس مني.

فتأمل لو كان لكل ذنب رائحة، فعُلم ذنب كل أحد منا، فيا ألله ما أعظم سترك! فنسأله سبحانه أنه كما سترنا في الدنيا أن يسترنا يوم العرض، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة"(1).

إن الله جميل الستر مع أنه سبحانه قادر على هتك ستر العبد وهو يعصيه لكنه يرخي جميل ستره على عبده.

خرج موسى عليه السلام مع سبعين ألفا من بني إسرائيل يستسقون, فلما انتهوا من الصلاة كان في السماء قزعة من سحابة فانقشعت, وزادت حرارة الشمس, فقال نبي الله موسى: يا ربي صلينا وما نزل المطر! فقال الله: يا موسى فيكم رجل يبارزني بالمعصية أربعين سنة, قولوا له يخرج من بينكم. فنادى موسى: الرجل الذي يبارز الله بالمعصية ليخرج من بيننا, وبلَّغ الله نداء موسى لبني إسرائيل جميعاً، وإذ بالرجل المقصود يتلفت يميناً وشمالاً أماماً ومن الخلف لعل رجلاً آخر يخرج غيره, فلما لم يخرج أحد علم أنه المقصود بذلك, فما كان منه إلا أن أدخل رأسه داخل ثوبه وأخذ يبكي تائباً إلى الله, فلقد علم هذا المذنب أن الله لو شاء أن يفضحه لفعل, ولكن الله جميل الستر فلقد قال لموسى: (رجل يبارزني بالمعصية) ولو شاء الله لقال فلان بن فلان, ولكنه ستر الستير سبحانه فما أن بكى هذا الرجل, وإذ بالسماء تمطر, فقال موسى: يا رب نزل المطر, وما خرج من بيننا أحد, فقال الله: مطرتم بالذي منعتم به. فقال موسى: يا رب أرني عبدك التائب ,فقال الله: يا موسى سترته أربعين سنة وهو يبارزني بالمعصية, أ فأفضحه الآن وهو يتقرب إليّ بالطاعة.

ثق أيها العبد أنه إذا سترك الستير فلا أحد يستطيع أن يهتك سترك كائناً من كان, فتعلق به سبحانه, ولا تتعلق بالناس, ولا تضعف أمام تهديداتهم, فالمهم أن تتعلق بالستير فإنه جميل الستر محال أن يسترك ثم يفضحك وأنت تطيعه.

                                                                                                                     حدث أحد رجال الهيئة عن اتصال فتاة لهم, و كانت قد ابتليت بالحديث مع شاب ومراسلته والخروج معه وتصويره. فمنَّ الله  عليها بالتوبة والهداية, ثم فتح الله عليها فرزقها زوجاً صالحاً يخطبها, وما هي إلا أيام معدودات, وإذا بالشاب يتصل عليها, ويطلبها أن تخرج معه, فتأبى عليه وتخبره بأنها قد تابت وتركت هذه الطريق، لكنه هددها بالصور والرسائل والمكالمات, وقال لها إن أبيت الخروج فغداً الساعة الثانية عشرة ظهراً ستجدين هذه الصور والمكالمات في يد أبيك وخطيبك, فتركته وأغلقت السماعة في وجهه وأخذت تدعو الله, وتصلي الليل, وتناجي ربها قائلة: يا رب سترتني وأنا أعصيك بالذنب فلم تُطلع عليّ لا والداً ولا والدة ولا أخاً, يارب أنا اليوم تائبة آيبة اللهم فاسترني ولا تفضحني !وهكذا استمرت بالدعاء, ولم تنم طيلة تلك الليلة فلما جاء الصباح وقبل أذان الظهر سُمع صوت حادث وسيارات إسعاف في الحي الذي تقطنه تلك الفتاة فخرج أهل البيت, وإذ بها سيارة الشاب قد احترقت من أثر الحادث, وهو قد مات واحترق كل ما كان يهددها به من الصور والتسجيل فسبحان الستير!

فكيف بعد هذا تخاف فتاة من تهديدٍ يأتيها ممن خالطته بالمعصية ما دامت قد تابت وصدقت في توتبتها, فلتثق بالله ولتثبت فإنها على الحق والصواب ومحال أن يفضحها الستير وقد تابت إليه.

و إني أوصي نفسي والقارئ الكريم أن لا تتعلق قلوبنا إلا بالله وألا نستتر إلا بستره, وأن نعلم أن الستر الحقيقي هو ستر الله الستير, وأن الله لو شاء أن يهتك ستر عبد لهتكه بأبسط أمر يتوقعه العبد لو رؤيا في المنام تفضحه بعمله.

 

يتبع في الحلقة القادمة عدم الاغترار والأمن من مكر الله والإسراف في المعاصي

 


(1) رواه مسلم برقم ( 2590 ) .

 



بحث عن بحث