الخلق مع المخالف غير المسلم (2-4)
الأمر الثاني/ الصلة والإحسان:
وفيه مسائل :
1- تستحب صلة الكافر إذا كان قريباً أو جاراً للمسلم ، بالهدية والزيارة ، ونحوهما ، دون أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بالمسلم ، أو فتنته عن دينه ، لقوله تعالى ( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً )(1).
2- تجب النفقة على القريب الكافر المحتاج شأنه شأن القريب المسلم ، لقوله تعالى ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) إلى قوله ( فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا)(2) ، فالإنفاق على الوالدين حال فقرهما من أحسن وجوه الإحسان ، والتأذي بترك النفقة عليهما عند عجزهما أكثر من تأذيتهما بكلمة أف ، فكان النهي عن التأفيف نهياً عن ترك النفقة من باب أولى(3). وهكذا كل قريب تجب نفقته (4).
3- يجوز صلة الكافر بالهدية والزيارة والعيادة والتلطف بالكلام معه والتهنئة بغير ما يختص بشعائر دينه – كتهنئته بزوجة أو ولد ونحو ذلك - لترغيبه في الإسلام ، أو كفِّ شرِّه ، ونحوها من المصالح الشرعية (5)، لقوله تعالى ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )(6).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقعد عند رأسه ، فقال له ( أسلم ) فنظر إلى أبيه وهو عنده ، فقال له : أطع أبا القاسم ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول ( الحمد لله الذي أنقذه بي من النار )(7) .
4- السلام(8)، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام ، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه )(9) ، يدل الحديث على كراهة ابتدائهم بالسلام لغير حاجة من دعوة للإسلام أو ترغيب فيه ونحو ذلك ، فالنبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى ملوك الكفار وابتدأ كتبه بـ سلام على من اتبع الهدى .
فإن ابتدأ الكافر بالسلام ردّ عليه المسلم بقوله وعليكم لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم )(10).
ولكن لايعني هذا عدم تحيته فيحييه ولكن بغير السلام مثل صباح الخير ، ومساء الخير ونحو ذلك ، وهذا يدل على أن مايفهمه كثير من الناس عن هذا الحديث من ترك التحية وجفاء الخلق فهذا غير صحيح ، فالصواب هو تحيتهم ومعاملتهم بالحسنى كما سبق في الإحسان إليهم .
يتبع في الحلقة القادمة
(1) سورة لقمان آية 15 .
(2) سورة الإسراء آية 23 .
(3) انظر الموالاة والمعاداة للجلعود 2/806 .
(4) انظر أحكام أهل الذمة ص291،292 .
(5) انظر الموالاة للجلعود 2/730 ، فتح الباري 3/219 و10/119 ، وأحكام أهل الذمة ص149-154 .
(6) سورة الممتحنة آية 8 .
(7) أخرجه البخاري ك الأدب ح5657 -10/119 مع فتح الباري .
(8) انظر أحكام أهل الذمة ص143 وما بعدها ، والموالاة 2/726 .
(9) أخرجه مسلم ك السلام باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام 14/148.
(10) أخرجه البخاري ك استتابة المرتدين ح6926 -12/280 ، ومسلم ك السلام باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام 14/144 .