شهر رجب شهر حرام (1-4 )

معنى رجب في اللغة مأخوذ من رجبَ الرجلَ رجَبا ، وَرَجَبَه يرجُبُه رَجْباً ورُجُوباً ، ورجَّبه وَتَرجَّبه وأَرجْبَهَ كلهُّ : هابه وعظمه ، فهو مَرْجُوبٌ .

ورجب : شهر سماه بذلك العرب لتعظيمهم إياه في الجاهلية، وكانوا لا يستحلِّون القتال فيه، والترجيب التعظيم ، والراجب المعظم لسيده(1).

وذكر بعض العلماء أن لشهر رجب أربعة عشر اسماً : شهر الله ، ورجب ، رجب مضر ، منّصل الأسنة ، الأصم منفس ، مطهر ، مقيم ، هرم ، مقشقش ، مبريء ، فرد ، الأصب ، مُعلّى ، وزاد بعضهم: رجم، منصل الآل وهي الحربة، منزع الأسنة (2).

وتفسير هذه الأسماء ما يلي :

رجب : لأنه كانُ يرجَّب في الجاهلية أي يُعظم .

الأصم : لأنهم كانوا يتركون القتال فيه ، فلا يسمع فيه قعقعة السلاح ، ولا يسمع فيه صوت استغاثة .

الأصب : لأن كفار مكة كانت تقول : إن الرحمة تصب فيه صباً .

رجم : بالميم لأن الشياطين ترجم فيه : أي تطرد .

الهرم : لأن حرمته قديمة من زمن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .

المقيم : لأن حرمته ثابتة لم تنسخ ، فهو أحد الأشهر الأربعة الحرم .

الُمعلّى : لأنه رفيع عندهم فيما بين الشهور .

منزع الأسنة : لأنهم كانوا ينزعون الأسنة من الرماح فيه .

المبريء : لأنه كان عندهم في الجاهلية من لا يستحل القتال فيه بريء من الظلم والنفاق .

المقشقش : لأن به كان يتميز في الجاهلية المتمسك بدينه ، من المقاتل فيه المستحل له .

شهر العتيرة : لأنهم كانوا يذبحون فيه العتيرة ، وهي المسماة الرجبية نسبه إلى رجب .

رجب مضر : إضافة إلى مضر لأنهم كانوا متمسكين بتعظيمه ، بخلاف غيرهم ، فيقال إن ربيعة كانوا يجمعون بدله رمضان ، وكان من العرب من يجعل في رجب وشعبان ، ما ذكر في المحرم وصفر ، فيحلون رجباً ويحرمون شعباناً (3).

فكل هذه الأسماء التي أطلقت على شهر رجب ، تدل على تعظيم الكفار لهذا الشهر ، وربما كان تعظيم مضر لشهر رجب أكثر من تعظيم غيرهم له ، فلذلك أضيف إليهم(4) .

ولما جاء الإسلام جعل شهر رجب من الأشهر الحرم ، عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال : ( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، والسنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حرم : ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان .... ) الحديث . متفق عليه(5) .

و اختلف العلماء لم سميت هذه الأشهر الأربعة حرماً ؟

فقيل : لعظم حرمتها و حرمة الذنب فيها ، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : اختص الله أربعة أشهر جعلهن حرماً و عظّم حرماتهن و جعل الذنب فيهن أعظم و جعل العمل الصالح و الأجر أعظم . و قد قيل : في قوله تعالى : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) أن المراد في الأشهر الحرم ، و قيل : بل في جميع شهور السنة .

و قيل : إنما سميت حرماً لتحريم القتال فيها و كان ذلك معروفاً في الجاهلية ، أخرج البيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن رجباً شهر الله ويدعى الأصم وكان أهل الجاهلية إذا دخل رجب يعطلون أسلحتهم ويضعونها فكان الناس يأمنون وتأمن السبل ولا يخافون بعضهم بعضاً حتى ينقضي )(6) . قال البيهقي رحمه الله : وهذا الذي يروى في هذا الحديث مشهور عند أهل العلم بالتواريخ وكان كذلك في أول الإسلام إلا أن يُقاتلوا ثم أذن الله تعالى في قتال المشركين في جميع الأوقات وبقيت حرمة الأشهر الحرم في تضعيف الأجور والأوزار فيهن .

و قيل : إن سبب تحريم هذه الأشهر الأربعة بين العرب لأجل التمكن من الحج والعمرة فحرم شهر ذي الحجة لوقوع الحج فيه ، و حرم معه شهر ذي القعدة للسير فيه إلى الحج ، وشهر المحرم للرجوع فيه من الحج حتى يأمن الحاج على نفسه من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه ، وحرم شهر رجب للاعتمار فيه في وسط السنة فيعتمر فيه من كان قريباً من مكة .

و قد شرع الله في أول الإسلام تحريم القتال في الشهر الحرام قال تعالى : ( لا تحلوا شعائر الله و لا الشهر الحرام ) وقال تعالى : ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير و صد عن سبيل الله و كفر به و المسجد الحرام و إخراج أهله منه أكبر عند الله و الفتنة أكبر من القتل )

واختلف العلماء في حكم القتال في الأشهر الحرم هل تحريمه باق أو نسخ فالجمهور : على أنه نسخ تحريمه ، ونصّ على نسخه الإمام أحمد و غيره من الأئمة واستدلوا  بأن الصحابة اشتغلوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم  بفتح البلاد ومواصلة القتال والجهاد و لم ينقل عن أحد منهم أنه توقف عن القتال و هو طالب له في شيء من الأشهر الحرم و هذا يدل على إجماعهم على نسخ ذلك و الله علم (7).

 

يتبع العدد القادم

 

يكتب هذه السلسلة

د. إلهام بدر الجابري

أستاذ مساعد بجامعة الأمير سلطان

 


(1) انظر القاموس المحيط (1/74) ، ولسان العرب (1/411، 412) مادة (رجب) .

(2) انظر لطائف المعارف ص(122) .

(3) انظر فتح الباري 1/132و195 و 8/325 .

(4) انظر النهاية لابن الأثير (2/197) . وشرح النووي على صحيح مسلم (11/218) .

(5) رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (10/7) كتاب الأضاحي ، حديث رقم ( 5550) ، ورواه مسلم في صحيحه (3/1305) كتاب القسامة ، حديث رقم (1679).

(6) أخرجه البيهقي في فضائل الأوقات ح5-1/85 .

(7) انظر لطائف المعارف ص122وما بعدها ، فضائل الأوقات 1/84 وما بعدها ، البدع الحولية 1/85 .



بحث عن بحث