الرسول  والعشر الأواخر (2-2)

ومن منهجه صلوات الله وسلامه عليه في هذه العشر: إحياء ليله، فجعل استيقاظه وعمله الطاعات المختلفة في هذه الليالي المباركة بمنزلة الحياة، ولا شك أن حياة القلوب وطراوتها بالذكر والقراءة والصلاة والإحسان إلى الخلق، وكل ذلك مقرب للخالق سبحانه وتعالى، ثم إن هذا الإحياء معين للمؤمن أن يجعل هذا منهاجًا يسير عليه في حياته كلها، ليحيي جزءًا من ليله في مناجاة خالقه، ودعائه، والاستعانة به، والالتجاء إليه.

ولا شك أن سكون الليل، والابتعاد عن مشاغل الدنيا، والتفرغ من أعباء الحياة، كل هذا مما يهيئ النفس للمناجاة والاستغفار والصلاة، ويجعلها أكثر قربًا من مولاها جل وعلا.

ومن منهاجه صلوات الله وسلامه عليه: أن يوقظ أهله ليشاركوه في هذه الأعمال الجليلة، ليأخذوا حظهم من الأجر والثواب، وليطمعوا في رضوان الله سبحانه وتعالى، ونيل محبته.

وفي هذا التعاون الجليل ما يحس المسلم معه بمسؤوليته الكبيرة تجاه أهله، فلا يجعلهم غرقى في النوم في هذه الليالي الفاضلات المعدودات، ولا شك أن من الخير أن يتخذ المسلم هذا المنهاج، ليقوم بجزء من الأمانة المحمَّل إياها تجاه أهله وأولاده.

وهذا -أعني إيقاظ الأهل والأولاد وحثهم على القيام والدعاء– معين بعد عون الله تعالى، لصلاحهم واستقامتهم؛ بل عساه أن يكون منهاجًا يحتذونه في أيامهم المقبلة، فيتبادرون إلى إحياء لياليهم؛ إذ إن من ذاق حلاوة الإيمان اشتاق للازدياد، ولا أعظم من لذة المناجاة مع خالق الأرض والسماوات، المطلع على جميع الأحوال.

ومع هذا المنهج النبوي المبارك الذي يوجه به ﷺ أمته للاقتداء به؛ نجده يحث من جانب آخر على هذا التعاون الإيماني، روى أبو داود وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «رحم الله رجلًا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء«(1).

فلنا في رسول الله ﷺ أسوة، وفي أعماله قدوة، لنترسم خطاه، ونحتذي حذوه، فهو رسول الله ﷺ، الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع ذلك يجتهد هذا الاجتهاد العظيم، فحري بك أخي المسلم – وأنت تطرق أبواب هذه العشر المباركة– أن تعقد النية وتجدد العزم على ترسم خطاه صلوات الله وسلامه عليه في هذه العشر، وفي كل أيامك، حقق الله لي ولك رجاءنا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه أحمد (2/250 – 436)، وأبو داود، برقم(1308) في الصلاة، باب قيام الليل، والنسائي (3/205) في قيام الليل، باب الترغيب في قيام الليل، وابن ماجه (1336) في إقامة الصلاة، باب فيمن أيقظ أهله بالليل.



بحث عن بحث