هدي الرسول  في الفطور والسحور (3-3)

وعندما يتناول المسلم وجبتي الإفطار والسحور مع أولاده وأسرته، ويأكلون أطيب المطاعم والمشارب بفرح وسرور وغبطة وحمد وثناء وشكر لله سبحانه وتعالى على ما رزقهم من الطيبات، فينبغي للمسلم وهو في هذه الحالة أن يتذكر إخوانًا له من المسلمين في بقاع من العالم مختلفة، لا يجدون التمرة ليفطروا عليها، ولا كسرة خبز ليطعموا أولادهم، ولا كوبًا من الحليب ليرضعوا أطفالهم.

ليكن صومك وفطرك دافعًا لك لتذكر إخوانك هؤلاء، فتجتهد كل الاجتهاد لكي يشاركك إخوانك في تمراتك وأكلاتك، فتمد يد العون والمساعدة لهم بأسرع وقت ممكن، والأجر بإذن الله تعالى أسبق: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}(1).

ومن الأمور التي نبه عليها الرسول ﷺ عند تناول أكلة السحور، وهي من المعاني الإيمانية التي يجب تعميقها في النفوس: مخالفة أهل الكتاب في صيامهم، روى مسلم وغيره عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «فصل ما بين صومنا وصوم أهل الكتاب أكلة السحور«(2)

ومما ينبغي أن يعلم أن مخالفة أهل الكتاب في كل كبير وصغير حتى في أكلة السحو مبدأ عظيم من مبادئ هذا الدين، وسمة من سماته الجليلة التي يعتني بها المسلم في كل جزئية من جزئيات حياته.

وليحذر المسلم من خرق هذا المبدأ، أو نقض هذه السمة، فينساق وراء الأمم الكافرة في أفعالها وطرائق حياتها، فضلًا عن عباداتها وأعيادها، ولهذا قال النبي ﷺ: «من تشبه بقوم فهو منهم«(3).

لقد كانت عزة الأمة المسلمة وغلبتها واحترام الأمم الأخرى لها حينما وقفت على ما جاء به نبيها محمد ﷺ من عقائد وعبادات وشرائع، وشعرت أنها بما تحمله من هذا الدين فوق الأمم الأخرى وأنها الأعز والأكرم، لأن معها الحق المنزل من عند الله تعالى، أما غيرها فليس لديها إلا أهواء البشر وفلسفات العقول البشرية.

هذه قاعدة عظيمة وجليلة: أعني عزة الأمة المسلمة بما تحمله من هذا الدين، فهل يبعث رمضان في نفوسنا هذه القاعدة، فنعلمها ونفقهها ثم نطبقها في جميع شؤون حياتنا صغيرها وكبيرها، فنعتز بديننا عقيدة وسلوكًا، شريعةً ومنهاج حياة، حتى يعود للأمة المسلمة عزها ومجدها وسؤددها. إن كل فرد مسلم صائم ينطلق في صيامه من تطبيق هذا المبدأ العظيم في كل أمر من أمور الحياة، وينبذ كل تقليد وتشبه بالكفرة في دقائق الأشياء وجليلها، وإنك لترى أقوامًا ضعف اعتزازهم بدينهم، فبهرهم ما عند الغرب والشرق من أفكار منحرفة وأعراف معوجة، فظنوا أنهم رقوا بأنفسهم ومجتمعهم مراقي العلا، وما علموا أنهم أذابوا شخصياتهم وتقهقروا بمجتمعاتهم، فأصبحوا أذلاء تابعين لا خير فيهم، لا يحسب لهم حساب، ولا يقام لهم وزن.

لنتعلم من مدرسة رمضان عزنا بديننا، واستقلال شخصيتنا، وعلونا بتمسكنا بشريعة ربنا(4).

أسأل الله تعالى أن يبصرنا بديننا ويفقهنا فيه، وأن يرزقنا الإخلاص في الأقوال والأفعال، إنه سميع مجيب وهو المستعان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [البقرة: 110]

(2) أخرجه مسلم (1096).

(3) أخرجه أبو داود (4031)، وأحمد (2/50)، والطبراني في الأوسط (8323)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6149).

(4) لا يفهم من هذا التقرير أن معاملة أهل الكتاب لا تجوز، فهناك فرق بين تقليدهم واتباعهم، وبين التعامل معهم بيعًا وشراءً، فالأول لا يجوز، والثاني جائز. والله أعلم.



بحث عن بحث