الرسول  وآداب الصيام (3-4)

إن الحديث يلذ ويطيب، ويزداد لذة وحلاوة إذا كان الحديث يتناول حياة المصطفى ﷺ، فحياته كلها جهاد وعبادة وخلق واستقامة، وبر وصدقة، وسلوك حسن ودعوة وآداب فاضلة ومعانٍ سامية نبيلة وأمن وسعادة.

يجد لذة ذلك أولئك الذين اتخذوا سيرته نورًا ونبراسًا يستضيئون به، ومدرسة يتعلمون فيها، ومنهاجًا يسيرون عليه، فيكف إذا ارتبطت هذه السيرة بجانب من جوانب العبادة التي تهم كل مسلم ومسلمة.

روى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «كل عمل ابن آدم يضاعف له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم«(1).

ما أروعها من كلمات ترغب للسباق في فعل الخيرات والتنافس في عمل الصالحات! فيض كريم من رب كريم، واهب العطايا ومجزي النعم، عمل قليل يضاعف أضعافًا مضاعفة إلى سبعمائة ضعف، فأين المتسابقون والمتسابقات في شهر الخيرات والبركات، الذي خصه الله تعالى بمزيد من الفضل والحسنات: «كل عمل ابن آدم يضاعف له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به» فلا حصر لهذه الحسنات ولهذا الأجر والثواب، مع إخلاص هذا الصيام لله سبحانه وطلب الأجر والمثوبة، ولماذا هذا الفضل العظيم؟ «يدع شهوته وطعامه من أجلي»، فالسبب هو الترك للملذات والشهوات من أجل الله سبحانه وتعالى.. ألا يكون عملنا للواجبات والمستحبات من أجل الله تعالى، وتركنا لجميع المحرمات والمكروهات من أجل الله تعالى.

إن هذه غاية عظيمة ترنو إليها القلوب الذاكرة والأفئدة الصافية، ومثل هذه القلوب يحرص الشيطان أن يدخل عليها ليكدر صفوها بأن يخرق هذا الإخلاص، فيجمع معه نوايا فاسدة من نظر العباد والرياء، أو ترغيبه في مصالح دنيوية قريبة، ونحو ذلك مما يخدش هذا الإخلاص، فيخرج صاحبه من دائرة الأجر والثواب إلى دائرة الأوزار والآثام.

وحريٌّ بكل مسلم أن يبحث عمَّا يؤدي إلى السعادة والفرح والسرور والحبور، إن ذلك يجده العابد المسلم في العبادة التي يستشعر حلاوتها وطعمها: «للصائم فرحتان: فرحة عند فطره» في الدنيا، يفرح بما أنعم الله عليه من إتمام الصيام، ويفرح بأن أحل الله له ما كان محرمًا عليه في النهار، والفرحة الثانية: الفرحة العظمى: «عند لقاء ربه» عندما يجد جزاء صيامه وعبادته، فالمسلم العاقل هو الذي يحث الخطى ويسابق غيره للوصول إلى هذا الفرح.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  أخرجه البخاري (1904)، ومسلم (1151).



بحث عن بحث