حكمة الصيام: التقوى (1-4)

سبق أن ألمحنا إلى أمر عظيم، غاية في الأهمية، ذلكم هو هدف الصيام في هذا الشهر المبارك، والذي تمثله الرسول ﷺ في صيامه وقيامه وطاعاته، ويعد جانبًا عظيمًا من جوانب سيرته عليه الصلاة والسلام.

لقد اهتم السلف الصالح بهذه الكلمة قولًا وفعلًا، وظهرت واضحة جلية في وصاياهم، فهذا علي بن أبي طالب استعمل رجلًا على سرية، فقال له: «أوصيك بتقوى الله عز  وجل الذي لا بد لك من لقاه، ولا منتهى لك دونه، وهو يملك الدنيا والآخرة«.

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل فقال: «أوصيك بتقوى الله عز وجل التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل، جعلنا الله وإياكم من المتقين«.

وكتب أحد السلف إلى آخر، فقال: «أما بعد: أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك، ورقيبك في علانيتك، فاجعل الله على بالك في ليلك ونهارك، وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه، لا تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا من ملكه إلى ملك غيره«.

هذه الكلمة – بمدلولها الواسع- إذا طبقها الفرد وانتشرت في المجتمع خلفت آثارًا يعجز القلم عن حصرها، ولكن حسبنا الإشارة إلى ما يدل على شيء من ذلك:

التقوى سبب لتيسير أمور الفرد والمجتمع، يقول تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}(1)، ويقول: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ}(2).

والتقوى سبب لفتح البركات من السماء والأرض وحصول الأرزاق وسعة الأموال، يقول المولى عز وجل: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}(3)، ويقول جل شأنه: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا}(4).

والتقوى سبب للتوفيق والتسديد في الحياة، والسعادة في الدنيا والآخرة، يقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا}(5).

ويقول تقدس اسمه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ}(6).

والتقوى عامل قوي لعدم ضرر الكائدين الكافرين، يقول الله عز وجل: {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}(7).

والتقوى سبب لنيل ولاية الله تعالى، حيث قال سبحانه: {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ}(8).

والتقوى سبب لنيل العلم النافع وحصول بركته: {وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}(9).

والتقوى طريق موصل إلى رحمة الله تعالى في الدنيا والآخرة، يقول جل شأنه: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}(10).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الطلاق: 4]

(2) [الليل: 5 – 7]

(3) [الأعراف: 96]

(4) [الطلاق: 2 – 3]

(5) [الأنفال: 29]

(6) [الحديد: 28]

(7) [آل عمران: 120]

(8) [الأنفال: 34]

(9) [البقرة: 282]

(10) [الأعراف: 156]



بحث عن بحث