أهمية دراسة السيرة (2-2)

وعامل ثالث يجلي أهمية دراسة السيرة: أن شخصية الرسول ﷺ هي تلك الشخصية الشمولية الجامعة، وهي الشخصية البشرية المعصومة، جمعت من الخلال الحميدة أفضلها، ومن الأخلاق الكريمة أزكاها، ومن التصرفات الحياتية أكملها، ولقد شهد له أعداؤه بذلك، ولم يستطيعوا جحد هذه الشهادة أو كتمانها، ومن ذلك شهادة أبي سفيان له قبل إسلامه في المحاورة التي جرت بينه وبين هرقل عظيم الروم. فمما جاء فيها: أن هرقل سأل أبا سفيان قائلًا له: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا.. إلى آخر ما ذكر في هذه القصة(1). وإن المطلع على كتب السيرة النبوية والشمائل المحمدية ليرى من تلك الصفات الشمولية الجامعة ما لا يجتمع لبشر؛ بل لمجموعة من البشر، عليه الصلاة والسلام.

وما من باحث يبحث في شخصية الرسول ﷺ إلا ويجد بغيته ومطلبه، فرب الأسرة الذي يريد أن يعامل أسرته على الوجه المرضي، ومن خلاله يجعل الأسرة مدرسة فذة، يجد ذلك جليًا في تعامل الرسول ﷺ مع أسرته وفي بيته، كيف لا وهو القائل عليه الصلاة والسلام: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي«(2).

وكذا المدير والمسؤول، أيًّا كانت نوعية هذه الإدارة أو هذه المسؤولية، يجد في إدارة الرسول ﷺ العناصر المهمة للنجاح والتفوق في هذه الإدارة؛ من الإخلاص والصدق والدقة والعدل والحكمة وسعة الصدر والقدرة على الإخلاص وغير ذلك.

وإذا اتجه المربي والمعلم إلى مصدر تربوي مليء بالتعاليم العملية والحقائق التربوية؛ فسيجد ذلك واضحًا تمام الوضوح في تلك الشخصية الفذة عليه الصلاة والسلام.

أما السياسي والاقتصادي فنعمت المدرسة مدرسة محمد ﷺ في تعليم السياسة والاقتصاد، هذه كلها مع ما ينضم إليها من النظرة الفاحصة الدقيقة إلى الدنيا وزخارفها والموقف منها، فقد ضرب رسول الله ﷺ أروع الأمثلة في ذلك، وخلاصة هذا العامل المهم أن شخصية الرسول ﷺ هي تلك الشخصية المثالية الجامعة الشاملة.

وعامل رابع: أن شخصية الرسول ﷺ تمثل الدين بعمومه المطلوب من الناس كلهم وإلى أن تقوم الساعة، فقد كان الأنبياء والرسل السابقون يبعثون إلى أقوامهم خاصة، أما الرسول الخاتم محمد ﷺ فقد بعث إلى الناس عامة.

قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(3)، وقال:{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}(4)، فحري بمثل هذه الشخصية أن تدرس سيرتها، وتستخلص منها الخصال الفذة، ومكونات الشخصية الجامعة.

هذه عواملُ يسيرةٌ تجعلنا نُسير اهتمامنا كله في محاولة الاقتداء بالنبي ﷺ في جوانب الحياة كلها، ونجعله المثل الأعلى لنا، والرسول ﷺ تعامل مع شهر رمضان والصيام وما يتعلق بهما تعامل النبي القدوة، فلنا فيه أسوة وقدوة عليه الصلاة والسلام، فلنجتهد ولنجتهد ونعمل.

أسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال، والسير على منهاج سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه البخاري (7).

(2) أخرجه الترمذي (3895)، وابن ماجه (1977)، والطبراني في الكبير (853)، وقال الترمذي حسن غريب صحيح.

(3) [سبأ: 28].

(4) [الأحزاب: 40].



بحث عن بحث