التهنئة بقدوم شهر رمضان (2-3)

كان رسول الله ﷺ يفرح بقدوم رمضان، ويبشر الناس بدخوله، مرغبًا لهم على فعل الفضائل، وباعثًا فيهم المنافسة والمسابقة، قائلًا: «إذا جاء شهر رمضان -أو إذا كان أول ليلة من رمضان - صفدت الشياطين مردة الجن، وغلقت أبواب النيران فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنان فلم يغلق منهما باب، ونادى منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار«(1).

فشهر الصوم: شهر التقوى، وشهر المحاسبة، والمنافسة، تصفو فيه نفوس من داخلها، وتقترب فيه قلوب من خالقها، تُفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين، وتكثر دواعي الخير وأسباب المثوبة؛ رحمة ومغفرة وعتق من النار، فليقبل المسلم فيه على الطاعة، ويتزود من التقى، ويتعرض للنفحات الإلهية فيستروح روائح الجنة.

في الشهر المبارك يتقلب الصائم بين ذكر ودعاء، وصلاة وصيام، وجد وعمل، وإتقان وإحسان، وصلة وقربى، وطاعة وعبادة، فاطلبوا الخير في هذه الأعمال، وتعرضوا لنفحات المولى ذي الجود والإكرام.

وفي هذا الشهر المبارك يفتش المحسنون عن المحتاجين من الأقرباء والجيران والأبعدين والغرباء والمساكين والأرامل واليتامى، فتشوا عنهم لتسدوا جوعتهم، وتمسحوا دمعتهم، وتقر أعينكم بفرحتهم.

في هذا الشهر المبارك تنهمر الدموع الحارة من الأعين المباركة بالدعوات الصادقة، والرجاءات المتوالية، في الليل البهيم، والظلام الدامس، لكل مخلص لدينه، صادق في ولائه لربه، عامل لدعوته.

في هذا الشهر المبارك تنبعث روح الجهاد في النفوس المسلمة، وتحيا روح الأخوة في القلوب المؤمنة، لأولئك المرابطين في ساحات الوغى وميادين القتال؛ للذود عن دينهم، والدفاع عن أعراضهم، والذب عن مقدساتهم، وحماية وجودهم. هذا الشهر المبارك يذكرنا بهؤلاء الصامدين المجاهدين، الأقوياء في نفوسهم، الضعاف في عدتهم وعددهم. ورمضان يبعث في النفوس نصرة أولئك الأبطال، نصرتهم بالدعاء الصادق في جوف الليل، وفي السجود في الصلوات، وفي الخلوات، فرُبَّ دمعة صادقة لقيت من الله موقعًا، فكانت سببًا في النصر والعزة والقوة والمنعة. ونصرتهم بالمال من الزكوات والصدقات والتبرعات، فهذا شهر الجود والإحسان والبذل والإنفاق. ونصرتهم بالرجوع إلى النفس ومحاسبتها على ما فات في سالف الأيام، ولن تنصر نفوس لم تنتصر على معاصيها وذنوبها وشياطينها وهواها. ونصرتهم بالتأييد والتسديد والشعور بشعورهم والبكاء لبكائهم والفرح لفرحهم ونصرهم.

ليكن شهر رمضان مذكرًا لنا بهذه المسائل، ومحببًا لنا هذه المعاني، ومربيًا لنفوسنا على هذه الأخلاق وتلك المبادئ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه الترمذي (3/66)،(682) باب ما جاء في فضل شهر رمضان، وابن ماجه(1/526)، (1642) في الصيام، باب ما جاء في فضل شهر رمضان، وابن خزيمة (1883)، وابن حبان كما في الإحسان (8/221)، (3435)، والحاكم (1/421)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.



بحث عن بحث