البيت المسلم (1-3)

الحمد لله معز من أطاعه، ومذل من عصاه، أسبغ علينا نعمه المتوالية، وآلاءه المتتالية، أحمده سبحانه وأشكره، من توكل عليه كفاه وآواه، ومن اعتمد عليه أطعمه وسقاه وكساه، لا إله غيره ولا رب سواه، وأصلي وأسلم على من أكرمه الله بالرسالة واصطفاه وعلى آله وأصحابه ومن والاه، أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بنعم كثيرة، وآلاء جسيمة، لا يستطيع أن يعدها العادُّون، ولا تحصيها دفاتر الحسّابين.

وإن من أعظم نعمه سبحانه: النعم أن جعل للناس بيوتًا، فيها يسكنون ويستريحون، ومن البرد يستدفئون، ومن الحر يستظلون، وعن الأَنظار يستترون، وعن الأعداء يتحصنون، ولأموالهم وأعراضهم يحفظون، ولها يأوون.

هذه البيوت لها شؤون كثيرة، وأحوال مختلفة، وأسرار مكنونة، اعتنى بها هذا الدين بناية وعمارة، وتربية وتنشئة، نقف مع بعض هذه الشؤون الوقفات الآتية:

الوقفة الأولى:

البيت – أيها الإخوة والأخوات – مجتمع مصغر تلتقي فيه النفوس على المودة والرحمة، والحصانة والطهر، وكريم العيش والستر، في كنفه تنشأ الطفولة ويترعرع الأحداث، وتمتد وشائج القربى، وتقوى أواصر التكافل والتواصل، ترتبط النفوس بالنفوس، وتتعانق القلوب والأرواح.

في ظل هذه الروابط المتماسكة، والبيوتات العامرة، تنمو الخصال الكريمة، وينشأ الرجال الذين يقودون الأمة، ويُربى النساء اللاتي يُؤْتَمنَّ على أعرق الأصول.

في البيت تنمو الزهور المتفتحة، في جو مليء بالمودة والرحمة، عامر بالتفاهم والتعاون، تعيش في ظلال الأبوة وحنان الأمومة.

في البيت تنشأ ناشئة صالحة، يكون من ثمراتها صلاح الأبناء، وبر الأمهات والآباء، البيت مدرسة تنمو فيها الأجيال، ويتخرج العلماء والقادة والأَبطال، والبيت نعمة كبرى لا يدرك قيمتها، ولا يعرف فضلها إلا من يفقدها، أو يرى من يعيش في الملاجئ والشوارع، أو على أرصفة الطرقات، أو المخيمات المؤقتة – كما في بلدان كثيرة – يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، عرضة للحر والقر، تلفحهم حرارة الشمس ولهيبها، وتؤذيهم شدة البرودة وقساوتها، إن من يرى هؤلاء وأمثالهم أو يسمع عنهم يدرك عظيم نعمة الله في البيت، فيلجأ إلى الله بالثناء والشكر والحمد، قولًا وعملًا، باطنًا وظاهرًا، وتمتد يداه ليشارك فيما ينفع إخوانه المسلمين، وبالشكر تدوم النعم.



بحث عن بحث