محبة الله (1-2)

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أحمده سبحانه، وأشكره على فضله وامتنانه، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خير خلقه، وصفوته من رسله وأنبيائه، وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

أيها المسلمون:

لازلنا – بفضل من الله تعالى – نعيش في المدرسة الرمضانية التي تذكرنا بالفضائل العميمة، وتربطنا بخالقنا سبحانه، فرمضان مدرسة الموفقين من عباد الله الذين يقدرون لهذا الشهر قدره، ويستفيدون منه حق فائدته.

ونحن في أيامه الأخيرة الفاضلة يزداد المؤمن قربًا من ربه جل وعلا، وصلة به، وتفكرًا في مراده سبحانه.

فترى الموفقين يتسابقون إلى كل عمل يرضي الله سبحانه وتعالى، ويزيد في محبته جل وعلا.

أيها المسلمون:

إن من أَجَلِّ الغايات التي ينشدها المسلم في حياته: محبة الله له، فنعيش في هذه الوقفات مع تلك المحبة العظيمة، لعل الله سبحانه أن يرزقنا حبه، وحب من يحبه، والعمل الذي يقربنا إلى حبه.

الوقفة الأولى:

خلق الله تعالى الإِنسان وخلق فيه أنواعًا من المحبوبات، فالجائع لا يعدل بمحبة الطعام شيئًا، والمريض لا يقدم على الصحة محبوبًا آخر، والوالد مغرم بحب أبنائه وبناته، فتتفاوت محبوبات الناس بين فئة وأخرى؛ فمن محب للمال، ومن محب للجاه، ومن محب للسفر والتجوال، وآخر يحب التقرب للأصدقاء والخلان.. أنواع من المحبة كثيرة، جعلها الله في قلب الإِنسان لتكون قائدًا له الأعمال يقوم بها وينفذها، في بعضها خير كثير وثمار عظيمة، وبعضها يقود صاحبها إلى الهاوية والهلاك.

ورأس هذه الأنواع وأعلاها: محبة العبد لربه سبحانه، من وجد طعمها وذاق حلاوتها؛ نال السعادة في الدنيا وبعد مماته في الآخرة.

ومحبة الله تعالى تعني طاعته وعبادته، واتباع أوامره واجتناب نواهيه، طاعته في رغبة صادقة، واجتناب معصيته في رهبة وخوف.

كما تقتضي محبة كل شيء يحبه الله تعالى، وبغض كل ما يبغضه جل وعلا.

وتقتضي أيضًا محبة رسوله ﷺ وتقديمها على كل محبة حتى محبة الوالد والولد، والناس أجمعين.

ومحبة الله تعني أيضًا اتباع شريعته واقتفاء هدي نبيه محمد ﷺ وتقديم ذلك على رغبات النفس وشهواتها.

ومحبة الله تعالى تعني محبة المؤمنين ونصرتهم ومؤازرتهم وتقديم العون لهم، والشعور بقضاياهم، والفرح لفرحهم، والحزن لأحزانهم، والنصح والتوجيه لهم، وحب الخير لعامتهم.

ومحبة الله تعالى تقتضي قيام العلاقات الاجتماعية، والصلات والروابط، على أساس المحبة في الله والبغض في الله.

يقول سبحانه واصفًا عباده المؤمنين بأنهم أهل محبته: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ}(1)، ويقول الرسول ﷺ فيما رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والد وولده والناس أجمعين«(2).

الوقفة الثانية:

لمحبة الله آثار عظيمة في الدنيا والآخرة، فمن أحب الله تعالى حقيقة، قولًا وفعلًا؛ ذاق طعم الإِيمان، ووجد حلاوته في قلبه، فيعيش موصول القلب بالله جل وعلا، مطمئن البال والخاطر، روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «ثلاث من كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار«(3).

ومن أحب الله تعالى أحبه الله تعالى، ومن أحب الله تعالى؛ كانت حركاته وسكناته، وأقواله وأعماله، حسنات مضاعفة عند الله سبحانه، يقول جل وعلا: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}(4)، وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأُعطينه، ولئن استعاذني لأُعيذنه«(5).

فهل نطمع معشر الصائمين أن نكون كذلك؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [البقرة: 165]

(2) رواه البخاري مع الفتح (1/58)، برقم(15) في الإيمان، باب حب الرسول ﷺ من الإيمان، ومسلم (1/67)، برقم(44) في الإيمان، باب وجوب محبة رسول الله ﷺ. 

(3) رواه البخاري (1/60)، برقم(16) في الإيمان، باب حلاوة الإيمان، ومسلم (1/66)، برقم (43) في الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان.

(4) [المائدة: 54]

(5) رواه البخاري (11/340)، برقم(6502) في الرقاق، باب التواضع، وابن حبان كما في الإِحسان (2/58)، برقم(347) في البر والإِحسان، باب ما جاء في الطاعات وثوابها. 



بحث عن بحث