القاعدة الثامنة: إعطاء كل ذي حق حقه (2-2)

رابعًا: إكرام ذوي المكانة في قومه:

لم يكن عليه الصلاة والسلام بعيدًا عن الأعراف السائدة بين القبائل والتي لا تتناقض مع مبادئ الإسلام، بل حسب لها حسابًا وقدّر لأهل القدر مكانتهم ومنزلتهم، فحين وفد على النبي ﷺ وفد قيس بن عاصم رضي الله عنه، رحّب به وأكرمه وقال عنه: «هذا سيد أهل الوبر» وعيّنه النبي ﷺ على صدقات بعض المناطق.

وفي الحديث السابق ذكره أشار النبي ﷺ إلى هذا الأمر بقوله: «إن من إجلال الله ... وإكرام ذي السلطان المقسط»(1).

وإن إكرام هؤلاء الناس المقسطين من ذوي السلطان، أو من ذوي الجاه بين قبائل قد تعزز من أمر الدعوة إلى الله وتقوي شوكة المسلمين، وقد حدث ذلك في عهد النبي ﷺ، كما في قصة قيس بن عاصم رضي الله عنه، وغيرها.

 

خامسًا: إعطاء الناس حقوقهم:

ومن معالم تربية النبي ﷺ للصحابة أنه كان يقرّ بالحق لكل واحد منهم، دون تمييز بينهم، سواء كانوا صغارًا أو كبارًا، حكامًا أو محكومين، فقراء أو أغنياء، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: أتي النبي ﷺ بقدح فشرب منه وعن يمينه غلام أصغر القوم، والأشياخ عن يساره، فقال يا غلام أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ؟ قال: «ما كنت لأوثر بفضلي منك أحدًا يا رسول الله فأعطاه إياه»(2).

فلم يقفز النبي ﷺ حق الصغير الذي على يمينه، بل استأذن منه وبدأ به لأنه كان جالسًا على يمينه، ولم ينهره النبي ﷺ حين سأله هذا الصغير حقه.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء شيخ يريد النبي ﷺ فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له، فقال النبي ﷺ: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا»(3).

    

وأما ترجمة هذه القاعدة بالنسبة للنبي ﷺ فلعل أجلى موقف لذلك ما يصوّره عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: «كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير، وكان أبولبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله ﷺ ، قال: وكانت عقبة - دور - رسول الله ﷺ ، فقالا: نحن نمشي عنك، فقال : ما أنتما بأقوى مني ، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما»(4).

وكان الحال نفسه في تعامله مع أهل بيته، فكان يعطي كل واحدة منهن حقها، ولم يقفز على حق إحداهن على حساب أخرى، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله ﷺ إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها»(5).

    

والخلاصة:

أن من الحصافة للمربي والداعية أن يترجم هذه الحقوق عمليًا في واقع تربيته لمن تحت يده ومسؤوليته من الأبناء والبنات، والطلاب والطالبات، بل من أقاربه، وجيرانه، وغيرهم.

ولهذه القاعدة آثار عظيمة من أهمها:

- القيام بالمسؤوليات المناطة بالمربي.

- تصفية القلوب من الشوائب، كالحقد والحسد والظن السيئ.

- إحلال الإخلاص والصدق وحب الخير والتماس الأعذار.

- ما يصحب ذلك من الأجر العظيم والثواب الجزيل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سبق تخريجه

(2) أخرجه البخاري (6: 81 رقم 2351)

(3) أخرجه الترمذي (4: 321 ، رقم 1919)

(4) أخرجه النسائي: (5: 250 رقم 8807)

(5) أخرجه البخاري ( 6: 475رقم 25939)



بحث عن بحث