آثار القرآن الكريم على النفس والمجتمع

لا يمكن حصر الآثار الإيجابية والثمرات اليانعة التي يكتسبها الإنسان من خلال التواصل مع كتاب الله تعالى بالقول والعمل، لأن الجهد البشري يبقى قاصرًا وناقصًا أمام هذا المعين الذي لا ينضب، ففيه من الفوائد والمنافع ما لا يعد ولا يحصى، هذا بالنسبة للمعلوم منها، وما يجهلها الإنسان ربما تكون أكثر وأكبر، لذا نشير إلى بعض من الآثار التي تعود بالخير والفائدة على الإنسان في الجوانب المختلفة لا سيما الجانب النفسي الذي هو محور حركته في الحياة، فمن هذه الآثار:

أولاً: أن القرآن الكريم كتاب هداية:

فالقرآن الكريم قبل كل شيء هو كتاب هداية أنزله الله تعالى إلى رسوله ليهديهم إلى سواء السبيل، لقوله تعالى: {ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}(1)، وقوله تعالى: {هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ}(2)، وقوله جل وعلا: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ}(3)، والآيات كثيرة في هذا الباب.

والهداية في القرآن تشمل جميع مناحي الحياة، فهو كتاب هداية إلى معرفة الله تعالى وتوحيده وإفراده بالعبودية، وهداية إلى إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وهداية إلى العلم الشرعي والتجريبي، وهداية إلى العمل الصالح والإيجابي، وهداية في التشريع والأحكام التي تنظم علاقات الناس ضمن الأسرة والمجتمع، وتحدد لهم الحقوق والواجبات، كما هو كتاب هداية إلى التعامل الصحيح مع الكون وما فيه من كائنات وجمادات، وغير ذلك من أنواع الهداية، والتي تؤدي جميعها في نهاية المطاف إلى رضوان الله تعالى وجناته.

*     *     *

ثانيًا: القرآن الكريم شفاء ورحمة:

إن القرآن الكريم هو شفاء للنفس من كل ما تعتريها من الأمراض والآفات، كالقلق واليأس والكآبة والخوف وغيرها، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}(4)،

كما أنه شفاء للأمراض العضوية التي يُبتلى بها الإنسان في جسده، لعموم الشفاء في قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}(5)، حيث جاء (شفاءٌ) نكرة التي تدل على عموم الشفاء في النفس والبدن معًا. كما أنه تعالى لم يقل: (دواء)، لأن الدواء قد ينجع أو يفشل، أما الشفاء فهو تأكيد على المعافاة والتخلص من المرض بشكل نهائي.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله ﷺ إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات، فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلتُ أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه لأنها كانت أعظم بركة من يدي«(6).

والشواهد على هذه الحقيقة كثيرة، فهناك جموع من الناس تعافوا من الأمراض المزمنة بفضل قراءة القرآن بعد أن استعصى فيها الطب والعقاقير والتحاليل وغيرها.

والرقى الشرعية الصحيحة لا تخلو من قراءة سور من القرآن أو آيات منه لأنه العلاج الأقوى للتغلب على الأمراض المختلفة كما وصفه الله تعالى بقوله: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ}(7).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [البقرة: 2]

(2) [آل عمران: 138]

(3) [البقرة: 185]

(4) [يونس: 57]

(5) [الإسراء: 82]

(6) أخرجه مسلم (ص973، رقم 5714) كتاب السلام، باب رقية المريض بالمعوذات والنفث.

(7) [فصلت: 44]



بحث عن بحث