ثانيا : الأحاديث التي تثبت تبشير الكتب السابقة ومعرفة أهل الكتاب به صلى الله عليه وسلم (4)

 

 

وروى أبو نعيم وغيره عن صفية بنت حيي أنها قالت :" كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر ، لم ألقهما قط مع ولهما إلا أخذاني دونه ، قالت : فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، ونزل فناء بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين ، قالت : فلم يرجعا حتى كان مع غروب الشمس ، قالت : فأتيا كالين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا ، قالت : فهششت إليهما كما كنت أصنع ، فوالله ما التفت إلي واحد منهما مع ما بهما من الهم ، قالت : فسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي : أهو هو ؟ قال : نعم والله ، قال : أتعرفه وتثبته ؟ قال : نعم ، قال : فما في نفسك منه ؟ قال : عداوته والله ما بقيت أبدا ! " (1)

وهكذا أضمر اليهود العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم منذ اللحظة الأولى ، مع علمهم الجازم بأنه النبي الحق الذي تنطبق عليه الصفات التي تحدثت عنها الكتب المقدسة عند اليهود والنصارى .

وإذا كان هذا شأن الأغلبية من أهل الكتاب ، فإن فريقا منهم أبصر الحقيقة حين وقف على نعوته وصفاته ، ومن ثم آمن به وربح خيرا ، والله تعالى يقول : ( لَيْسُواْ سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ)[ سورة آل عمران / 113 ]

روى الإمام أحمد عن أبي صخر العقيلي أنه قال : " حدثني رجل من الأعراب قال : جلبت جلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله فلما فرغت من بيعتي ، قلت : لألقين هذا الرجل فلأسمعن منه ، قال : فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون فتبعتهم في أقفائهم ــ أي مشيت خلفهم ــ حتى أتوا على رجل من اليهود ناشرا التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه على ابن له في الموت ــ أي قارب الموت في حالة الاحتضار ولم يمت بعد ــ كأحسن الفتيان وأجمله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنشدك بالذي أنزل التوراة ، هل تجد في كتابك ذا صفتي ومخرجي ؟ فقال برأسه هكذا ، أي : لا ، فقال ابنه : إني ــ والذي أنزل التوراة ــ إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، فقال : أقيموا اليهود عن أخيكم ، ثم ولي كفنه وحنطه وصلى عليه "(2) .


 


 (1) دلائل النبوة ص 39 ، سيرة ابن هشام مع الروض الأنف ( 2 / 257 ).

 (2) المسند ( 5/ 411 ) وقال ابن كثير في تفسيره ( 2 / 251 ) : هذا حديث جيد قوي له شاهد في الصحيح عن أنس . قلت : والشاهد أخرجه البخاري في الصحيح ، كتاب الجنائز ،باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه ، وهل يعرض على الصبي الإسلام ( 1356 )

 



بحث عن بحث