ثانيا : الأحاديث التي تثبت تبشير الكتب السابقة ومعرفة أهل الكتاب به صلى الله عليه وسلم (3)

 

 

تبشير اليهود به صلى الله عليه وسلم .

لقد سبق وأن أشرنا في نهاية الحلقة السابقة إلى أن أحبار اليهود لوقوفهم على بشارات الكتب السابقة برسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بعض أحبارهم بنبوته صلى الله عليه وسلم وبشر به مما ترتب عليه إسلام البعض وعداوة البعض الآخر حسدا وبغيا ، فمن ذلك :

ما جاء عن كعب الأحبار أنه قال : " إني أجد في التوراة مكتوبا : محمد رسول الله ، لا فظ ولا غليظ ، ولا سخاب في الأسواق ، ولا يجزي السيئة بالسيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، أمته الحمادون ، يحمدون الله في كل منزلة ، ويكبرونه على كل نجد ، يأتزرون إلى أنصافهم ، ويوضئون أطرافهم ، صفهم في الصلاة ، وصفهم في القتال سواء ، مناديهم ينادي في جو السماء ، لهم في جوف الليل دوي كدوي النحل ، مولده بمكة ، ومهاجره بطابة ، وملكه بالشام "(1)

وعن سلمة بن وقش رضي الله عنه ــ وكان من أصحاب بدر ــ قال : " كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل قال : فخرج علينا يوما من بيته قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بيسير ، فوقف على مجلس عبد الأشهل ، قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا عليّ بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي ، فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار ، فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان ، لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت .

فقالوا له : ويحك يا فلان ، ترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار ، ويجزون فيها بأعمالهم ؟ قال : نعم ، والذي يحلف به ، ولَوَدَّ أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور ــ فرن ــ في الدنيا يحمونه ، ثم يدخلونه إياه ، فيطبق عليه ــ أي يغلق عليه ــ ، وأن ينجو من تلك النار غدا .

قالوا له : ويحك ، وما آية ذلك ؟ قال : نبي يبعث من نحو هذه البلاد وأشار بيده نحو مكة واليمن .

قالوا : ومتى تراه ؟ قال : فنظر إلي ــ وأنا من أحدثهم سنا ــ فقال : إن يستنفذ ــ أي يعيش ــ هذا الغلام عمره يدركه !"

قال سلمة :" فوالله ما ذهب الليل والنهار ، حتى بعث الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو حي بين أظهرنا ، فآمنا به ، وكفر به بغيا وحسدا ، فقلنا : ويلك يا فلان ، ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت ؟ قال : بلى ، وليس به "(2) .

 


(1) أخرجه الدارمي ، المقدمة ( 1 / 4، 5 ) من طريق الأعمش عن أبي صالح قال : قال كعب الأحبار . ورجاله ثقات .

(2) أخرجه ابن هشام في السيرة ( 1 / 212 ) من طريق ابن إسحاق قال حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمود بن لبيد عن سلمة به ، فصرح ابن إسحاق بالتحديث فانتفت شبهة التدليس ، ومن طريق ابن إسحاق أخرجه أحمد في المسند ( 3 / 467 ) والحاكم في المستدرك ( 3 / 417 ، 418 ) وصححه ، ووافقه الذهبي ، والطبراني في الكبير ( 6327 ) وقال الهيثمي في المجمع ( 8 / 230 ) رواه أحمد والطبراني ، ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق ، وقد صرح بالسماع . فالحديث صحيح .

 



بحث عن بحث