يا صاحب الهم أقبل على البر

 

قال - صلى الله عليه وسلم -  (بينما ثلاثة نفر يتمشون أخذهم المطر ، فآووا إلى غار في جبل فانحطت عليهم صخرة من الجبل ، فانطبقت عليهم ، فقال بعضهم لبعض : انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله ، فادعوا الله تعالى بها لعل الله يفرجها عنكم ، فقال أحدهم : اللهم ! إنه كان لي والدان شيخان كبيران ، وامرأتي ، ولي صبية صغار أرعى عليهم ، فإذا أرحتُ عليهم ، حلبت ، فبدأت بوالدي فسقيتهما قبل بني ، وأنه نأى بي ذات يوم شجر فلم آتِ حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما ، فحلبت كما كنت أحلب ، فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما ، وأكره أن أسقي الصبية قبلهما ، والصبية يتضاغون عند قدمي ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ، فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء ، ففرج الله منها فُرجة فرأوا منها السماء ...)(1). وفي رواية (أبوان ضعيفان فقيران ليس لهما خادم ولا راعٍ ولا ولي غيري ، فكنت أرعى لهما بالنهار ، وآوي إليهما بالليل )(2).

معنى (يتضاغون) أي يتباكون بصوت(3).

ووجه كراهته لإيقاظهما فلأن الإنسان يكره أن يُوقظ من نومه ، وأما كراهته أن يدعهما فقد فسّره في رواية بقوله (فيستكنا لشربتهما) أي يضعفا بسبب عدم شربهما اللبن لأنه عشاؤهما (4).

وفي الحديث فضل بر الوالدين وفضل خدمتهما وإيثارهما عمن سواهما من الأولاد والزوجة وغيرهم(5). كما يدل على أن البر من الأعمال الصالحة التي يُتوسل بها إلى الله تعالى لكشف الضر ونحوه ، وفيه كما ترجم له البخاري دلالة على إجابة دعاء من برّ والديه(6).

وفي هذا إنزال للناس منازلهم ، وعلى المسلم أن يعلم منزلة كل فرد من قرابته منه ، وأن يعرف كيف يُفاضل بينهم ، وهذا باب عظيم العمل به يقضي على كثير من النزاعات التي تحصل بين القرابة بسبب الجهل بهذه المنازل .

 

 


 

(1)     البخاري باب إذا زرع بمال قوم بغير إذنهم ...ح 2208-2/821، ومسلم باب قصة أصحاب الغار الثلاثة ح 2743-4/2099.

(2)     انظر فتح الباري 6/508 .

(3)     انظر النهاية في غريب الحديث والأثر 3/92 ، وفتح الباري 4/409 .

(4)     انظر فتح الباري 6/509 .

(5)     انظر شرح النووي لصحيح مسلم 17/56 .

(6)     ح 5629-5/2228 .



بحث عن بحث