الحيـــــــاء

اسم الله الحيي الستير سبحانه جل جلاله (27-32)

 

فهذه السرائر موكولة إلى الله جل وعلا, وقد يبتلى الإنسان بذنب أمام الناس وقد يتوب منه, والناس لا يعلمون بتوبته, ومنهم من يخوض فيه ويتحدث عنه بأسوأ العبارات, وهو لا يدري أنه قد تاب وآب ورجع إلى ربه.

يُحدّث أحد الدعاة أنه كان في محاضرة في إحدى العطل الصيفية في أحد المخيمات الشبابية, بعد نهاية المحاضرة ,في الليل ,في الساعة الثالثة صباحاً تقريباً, اتصل به شاب وقال له: إنني قد سمعت محاضرتك وإني والله تائب إلى الله من كل ذنب فعلته, وإن عندي كيسا, كله حبوب مخدرات, وأريد لقياك؛ لأعطيك إياه, فقال له الشيخ: الصباح بإذن الله ألقاك فقال الشاب: لا يا شيخ بل الآن أنا لا أستطيع الانتظار إلى الصباح, وهذا الكيس عندي, يقول الشيخ قلت له: إذن تعال الآن في مسجد كذا وكذا , فجاء الشاب والتقى الشيخ عند المسجد فأخذ الشيخ منه  الكيس, وأتلف ما فيه وأمضيا ما بقي من الوقت معا في المسجد حتى صلاة الفجر, ولكن العجب أن الشاب ظل الليل يصلي ويبكي بحرقة على ما مضى وفات فلما صلّى الفجر، انطلق إلى بيته حيث أمه وأبيه وقد كان غائباً من شهرين, وكانت عادته الغياب بالشهور ثم المجيء إلى البيت لا لخدمة أمه وأبيه بل لأخذ الأموال بالقوة منهما وسبهما وشتمهما. دخل الشاب البيت فخافت الأم من مقدمه, وانزعج الأب من مجيئه وهما لا يعلمان أن مقدم ولدهما اليوم غير المقدم السابق, فانكب ذلك الشاب على أمه باكياً مقبلاً رأسها ويديها وقدميها وكذا فعل مع أبيه, وأخذ يطلب منهما أن يسامحاه على تقصيره, فما كان من الوالدين الشفيقين إلا أنهما سامحاه وفرحا فرحاً شديداً بتوبته وهدايته. ثم قال الشاب لأمه: يا أماه أعطني أوراق المستشفى؛ لأنهي ترتيب مواعيدك فيها. فكم نهرتكِ بسببها وكم أسمعتك الكلام الجارح عند طلبكِ أمر ترتيب هذه المواعيد! ثم خرج الشاب إلى مستشفى عسير ورتب جميع مواعيد والدته في المستشفى وأنهاها كلها , و قبل أذان الظهر وهو عائد إلى المنزل يحصل له حادث سيارة فيموت فيه وينتقل إلى الله والدار الآخرة.

  فبالله عليكم ماذا سيقول الناس بعد موته ؟ لا ريب أنهم على ظنهم السابق أنه بئس الولد المدمن المنحرف. ولكنهم لم يعلموا أن هذا الابن قد تاب إلى لله وأن الله أقر عيني والديه بهدايته قبل موته.

إنني أوصي نفسي وإخواني وأخواتي ألا نذكر موتانا إلا بالجميل فلا أحد يعلم ما بينهم وبين الله.

وفي الحديث في البخاري ( لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)(1)فكيف بمن يشتغل بتصويرهم وهم قد ماتوا على المعصية ونشر صورهم عبر الجوال وغيره ؟؟

ألا فليتق الله أولئك الذين يصنعون مثل هذا, وليراعوا ستر إخوانهم, فالعبد لا يدري بأعمال العبد فلعل له خبيئة لم يطلع عليها إلا الله بها يغفر الله ذنوبه كلها، ولعل أرملة أو يتيماً يدعو له بمجرد ما يسمع خبر موته فينقله الله من حال إلى حال بهذه الدعوات الصادقة.!

 فكيف يليق بمسلم أن ينشر زلة أخيه عبر الجوال ويقول للعبرة ؟ أيجب أن يكون مكانه، وما يُدرى بحاله؟ لعله مظلوم ولعله ولعله!

 وفي البخاري عن عمر بن الخطاب أن رجلاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حماراً ، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب فأُتى به يوماً فأمر به فجلده فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يُؤتي به ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تلعنوه، فوالله ما علمتُ إلا أنه يحب الله ورسوله)(2).

 

يتبع في الحلقة القادمة عدم الحكم على الآخرين


(1) رواه البخاري برقم ( 1393 ) .

(2) رواه البخاري برقم ( 6780 ) .

 



بحث عن بحث