الخلق مع المخالف غير المسلم (3-4)

 

الأمر الثالث/ عدم إيذاءهم بأي نوع من الأذى ما داموا على العهد:

قال عليه الصلاة والسلام ( من قتل نفساً معاهدة لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً )(1) .

شرح الحديث :

( من قتل معاهداً ) المراد به من له عهد مع المسلمين سواء كان بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم .

( لم يرح رائحة الجنة ) بفتح أوليه على الأشهر وقد تضم الياء وتفتح الراء وتكسر ، والمعنى أنه لم يشم رائحة الجنة ولم يجد ريحها ، ولم يرد به أنه لا يجدها أصلاً ؛ بل أول ما يجدها سائر المسلمين الذين لم يقترفوا الكبائر توفيقاً بينه وبين ما تعاضدت به الدلائل النقلية والعقلية على أن صاحب الكبيرة إذا كان موحداً محكوماً بإسلامه لا يخلد في النار ولا يحرم من الجنة ، وقيل المراد التغليظ .

( وإن ريحها يوجد ) جملة حالية أي والحال أن ريح الجنة توجد من مسيرة أربعين خريفاً أي عاماً ، وفي رواية سبعين عاماً ، وفي أخرى مائة عام ، وجمع بأن ذلك بحسب اختلاف الأشخاص والأعمال وتفاوت الدرجات فيدركها من شاء الله من مسيرة ألف عام ، ومن شاء من مسيرة أربعين عاماً .

قال ابن بطال: أما الأربعون فهي أقصى أشد العمر في قول الأكثرين فإذا بلغها ابن آدم زاد عمله ويقينه واستحكمت بصيرته في الخشوع لله تعالى على الطاعة والندم على ما سلف فهذا يجد ريح الجنة على مسيرة أربعين عاماً ، وأما السبعون فهي حد المعترك ويعرض للمرء عندها من الخشية والندم لاقتراب أجله فيجد ريح الجنة من مسيرة سبعين عاماً.

وقال الكرماني: يحتمل أن لا يكون العدد بخصوصه مقصوداً بل المقصود المبالغة في التكثير ولهذا خص الأربعين والسبعين .

وقال ابن حجر: والذي يظهر لي في الجمع أن يقال إن الأربعين أقل زمن يدرك به ريح الجنة مَن في الموقف والسبعين فوق ذلك أو ذكرت للمبالغة .

ويستفاد من الحديث : أن قتل المعاهد كبيرة من الكبائر للوعيد الوارد في الحديث ، لكن لا يلزم منه قتل المسلم به ، للاقتصار في أمره على الوعيد الأخروي دون الدنيوي(2) ، إلا إذا رأى ولي الأمر ذلك من باب التعزير .

وكذا ينهى عن السب والشتم وتكليف ما لا يطاق ، لأن ذلك يتنافى مع مكارم الأخلاق.

                    يتبع في الحلقة القادمة


 


(1) أخرجه البخاري ك الجزية والموادعة باب إثم من قتل معاهداً بغير جرم ح3166-6/269 مع الفتح وانظر شرحه في فتح الباري .

(2) انظر : النهاية في غريب الحديث 2/658 ، غريب الحديث لابن سلام 1/115 ، تحفة الأحوذي 4/548 ، عمدة القاري 22/367 ، فتح الباري 12/259 ، فيض القدير 6/251 ، مرقاة المفاتيح 11/11 .



بحث عن بحث