شبه المنكرين لحجية السنة، والرد عليهم (19)

 

ثالثا :

ما ذكره هؤلاء المشككون في السنن من أن العلم : لم يدون ولم يصنف إلا في القرن الثاني الهجري إستناداً إلى بعض النقول الواردة عن صنف من المحدثين والمؤرخين فإنه لا يثبت مدعي هؤلاء ، لأن هناك فرقا واضحا بين :

أ - تقييد العلم .

ب - وتدوين العلم .

ج - وتصنيف العلم .

إذ تقييد العلم معناه :

رسمه وكتابته أعم من أن يكون مجموعا أو مفرقا ، مرتبا أو غير مرتب ، تقول : قيد العلم بالكتاب ، يعني : أثبته وضبطه(1).

وتدوين العلم معناه : جمع المتفرق المشتت في ديوان واحد ، أي في كتاب واحد أعم من أن يكون مرتبا أو غير مرتب ، إذ الديوان في اللغة : مجتمع الصحف(2).

وتصنيف العلم معناه :

ترتيب ما دون في أبواب مميزة ، وفصول محدودة ، تقول : صنف الشيء ، أي اجعله أصنافا وميز بعضها من بعض(3) .

وتبعا لما ذكرناه فإن المحدثين والمؤرخين لا يقصدون بقولهم : إن ابن شهاب الزهري هو أول من دون الحديث بأمر عمر بن عبد العزيز ، لا يقصدون بذلك : أنه أول من كتب الحديث ، وإنما يقصدون أنه أول من جمعها في دفتر واحد ، ولا يقصدون بقولهم : إن التصنيف لم يقع إلا في القرن الثاني الهجري ، لا يقصدون بذلك : أن كتابة الحديث لم تقع إلا في القرن الثاني الهجري ، وإنما يقصدون : أنه رتب وميز ابتداء من هذا الوقت ليسهل الرجوع إليه ، وليميز ما بين صحيحه وسقيمه(4) .

وهكذا ببطلان ما ساقه هؤلاء من أدلة على عدم كتابة السنة في القرن الأول الهجري يبطل مدعاهم ، وتبقى السنة حجة في دين الله عز وجل يوثق بها ويعتمد عليها(5) .  


(1)- انظر : المعجم الوسيط 2 / 769 .

(2)- انظر : لسان العرب 17 / 23 .

(3) - انظر : مختار الصحاح ص 371 .

(4)- انظر : تقييد العلم للخطيب البغدادي ، والإلماع للقاضي عياض ص 146 ــ 149 ، والباعث الحثيث للشيخ أحمد شاكر ص 111 ــ 112 (

5)- انظر : شفاء الصدور في تاريخ السنة ومناهج المحدثين ص 107 ــ 109 .



بحث عن بحث