السنة المستقلة بالتشريع وآراء العلماء فيها(1)

 

 

إن استقلال السنة بالتشريع قضية اختلفت فيها الآراء ، وتعددت فيها وجهات النظر ، وهدف هذا المبحث الوصول إلى نتيجة يدعمها البرهان ، ويشهد لها الدليل ، ومن ثم فسوف أعالج هذا المبحث وفق النقاط التالية:

1ـ معنى استقلال السنة بالتشريع .

2ـ آراء العلماء في استقلال السنة بالتشريع .

3ـ موازنة بين الآراء في تلك المسألة .

أولا : معنى استقلال السنة بالتشريع :

استقلال السنة بتشريع الأحكام معناه : أن تأتي السنة بأحكام جديدة زائدة على ما في القرآن الكريم ، ولم يرد فيه ما يثبتها أو ينفيها ، وهذه الأحكام حجة يجب العمل بها ، لأن كل من قبل عن الله فرائضه في كتابه ، قبل عن رسول الله سننه ، بفرض الله طاعة رسوله على خلقه ، وأن ينتهوا إلى حكمه ، ومن قبل عن رسول الله فعن الله قبــل ، لما افترض الله من طاعته .

فيجمع القبول لما في كتاب الله ، ولسنة رسول الله : القبول لكل واحد منهما عن الله(1)

والتشريع في الإسلام :هو الحكم الشرعي لكل فعل من أفعال المكلفين سواء أكان ذلك الحكم هو الوجوب أو الحرمة أو الندب أو الكراهة أو الإباحة ، وسواء تعلق فعل المكلف بالعادات ـ أي بأمور الدنيا كما يسميها بعض الكتــاب المحدثين ـ أو تعلق بالعبادات ـ أي بأمور الدين كما يسميها هؤلاء الكتاب .

وبناء عل ما تقدم : فإن كل ما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير ، لابد وأن يستفاد منه حكم شرعي بالوجوب أو الحرمة أو الندب أو الكراهة أو الإباحة ، وسواء تعلق هذا القول أو الفعل أو التقرير بأمر من أمور الدين أو بأمر من أمور الدنيا ، لأن كل فعل من العبد، لله فيه حكم .

وهذا هو ما عناه الإمام ابن تيمية حين سئل رحمه الله : " ما هو الحديث النبوي ؟ أهو ما قاله في عمره أو بعد البعثة ؟ أو تشريعا ؟ ـ أي ما قاله تشريعا ؟ " .

فأجاب رحمه الله : " كل ما قاله بعد النبوة وأقر عليه ولم ينسخ فهو تشريع ، لكن التشريع يتضمن الإيجاب والتحريم والإباحة ، ويدخل في ذلك ما دل عليه من المنافع في الطب ، فإنه يتضمن إباحة ذلك الدواء والانتفاع به ، فهو شرع لإباحته ، وقد يكون شرعا لاستحبابه ...... والمقصود أن جميع أقواله يستفاد منها شرع " (2).


(1) انظر : الرسالة ص 22 .

(2) مجموع الفتاوى ( 18 ـ 11 ، 12 ) ، وانظر : السنة تشريع لازم صـ 43 .

 

 



بحث عن بحث