التربية الإيمانية(9)

 

 

الوعد الحق :

لقد وعد الله عز وجل عباده المؤمنين بالغلبة والنصر : ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ) [النساء/141] .

هذا الوعد القاطع متى يتحقق ؟ .. يُجيب صاحب الظلال عن هذا السؤال فيقول :

 " إنه وعد من الله قاطع ، وحُكم من الله جامع : أنه متى استقرت حقيقة الإيمان في نفوس المؤمنين ، وتمثَّلت في واقع حياتهم منهجًا للحياة ، ونظامًا للحكم ، وتجردًا لله في كل خاطرة وحركة ، وعبادة لله في الصغيرة والكبيرة .. فلن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا .

وهذه حقيقة لا يحفظ التاريخ الإسلامي كله واقعة واحدة تُخالفها ، وأنا أُقرر في ثقة بوعد الله لا يُخالجها شك ، أن الهزيمة لا تلحق بالمؤمنين ، ولم تلحق بهم في تاريخهم كله ، إلا وهناك ثغرة في حقيقة الإيمان : إما في الشعور ، وإما في العمل – ومن الإيمان أَخذُ العدة ، وإعداد القوة في كل حين بنية الجهاد في سبيل الله ، وتحت هذه  الراية وحدها مجردة من كل إضافة ومن كل شائبة – وبقدر هذه الثغرة تكون الهزيمة الوقتية ، ثم يعود النصر للمؤمنين حين يوجدون .

ففي « أُحد » مثلًا ، كانت الثغرة في ترك طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفي الطمع في الغنيمة . وفي « حُنين » كانت الثغرة في الاعتزاز بالكثرة والإعجاب بها ونسيان السند الأصيل ! ولو ذهبنا نتتبع كل مرة تخلف فيها النصر عن المسلمين في تاريخهم لوجدنا شيئًا من هذا .. نعرفه أو لا نعرفه .. أما وعد الله فهو حق في كل حين .

نعم ، إن المحنة قد تكون للابتلاء .. ولكن الابتلاء إنما يجيء لحكمة ، هي استكمال حقيقة الإيمان ومقتضياته من الأعمال – كما وقع في (أُحد ) وقصَّهُ الله على المسلمين –  فمتى اكتملت تلك الحقيقة بالابتلاء والنجاح فيه ، جاء النصر وتحقق وعد الله عن يقين .

 وحين يُقرر النص القرآني : أن الله « لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلًا » .. إنما يدعو الجماعة المسلمة لاستكمال حقيقة الإيمان في قلوبها تصورًا وشعورًا ،  وفي حياتها واقعًا وعملًا ، وألا يكون اعتمادها كله على عنوانها ، فالنصر ليس للعنوانات ، إنما هو للحقيقة التي وراءها .

وليس بيننا وبين النصرة في أي زمان وفي أي مكان ، إلا أن نستكمل حقيقة الإيمان ، ونستكمل مقتضيات هذه الحقيقة في حياتنا وواقعنا كذلك .. ومن حقيقة الإيمان أن نأخذ العدة ونستكمل القوة .

إن الإيمان صلة بالقوة الكبرى ، التي لا تَضعُف ولا تفنى .. وإن الكفر انقطاع عن تلك القوة وانعزال عنها .. ولن تملك قوة محدودة مقطوعة منعزلة فانية أن تغلب قوة موصولة بمصدر القوة في هذا الكون جميعًا .

غير أنه يجب أن نفرق دائمًا بين حقيقة الإيمان ومظهر الإيمان .. إن حقيقة الإيمان قوة حقيقية ثابتة ثبوت النواميس الكونية ، ذات أثر في النفس وفيما يصدر عنها من الحركة والعمل ، وهي حقيقة ضخمة هائلة كفيلة حين تواجه حقيقة الكفر المنعزلة المبتوتة المحدودة أن تقهرها"(1).

 


(1) في ظلال القرآن : 2/782 ، 783 .

 



بحث عن بحث