الخصيصة الرابعة/ تربية عمدتها التوازن، وقوامها الوسطية (2-11)

 

4ــ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا عبد الله ، لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل )(1)

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أيضا قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم " ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار ؟ قلت : إني أفعل ذلك . قال : فإنك إذا فعلت ذلك هجمت عينك ،ونفهت نفسك ، وإن لنفسك عليك حقا ، ولأهلك حقا ، فصم وأفطر ، وقم ونم )(2)

ففي هذين الحديثين تظهر تربية النبي صلي الله عليه وسلم لأصحابه على التوازن في جميع شؤون حياتهم إذ نراه صلى الله عليه وسلم يعرض بعبد الله بن عمرو بن العاص عندما سمع أنه ترك قيام الليل بقوله الذي يحثه فيه على قيام الليل : " يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل " فينهاه عن التفريط والكسل والفتور فيتأثر عبد الله بن عمرو من هذا التوجيه التربوي اللطيف فيعزم على نفسه .

فيداوم على قيام الليل وصيام النهار ويشد على نفسه فلا يعطيها حقها من الراحة والنوم والأكل والشرب الذي به قوامها ونشاطها .

فيصل الخبر إلى المربي الحاذق صلى الله عليه وسلم ، فيتثبت من صحة الخبر بسؤاله مباشرة عبد الله بن عمرو ، فيخبره بذلك ، فلامه صلى الله عليه وسلم على فعله ، ثم وجهه إلى الاتزان والاقتصاد في العبادة وإعطاء كل ذي حق حقه وأن لا يطغى حق على الآخر ، أو يتضخم أحدهما على الآخر .

" لأن الأولى في العبادة تقديم الواجبات على المندوبات ، وأن من تكلف الزيادة على ما طبع عليه يقع في الخلل في الغالب "(3) . فأخبر صلى الله عليه وسلم أن لنفسه عليه حقا وذلك بإعطائها ما تحتاج إليه مما أباحه الله تعالى من أكل وشرب وراحة تكون عونا له على عبادة الله تعالى وأداء فرائضه .

وللأهل من زوجة وممن تلزمه نفقته عليه حقا كذلك بالنظر في شؤونهم وقضاء ما يحتاجون إليه من أمور الدنيا والآخرة ثم أمره بالاعتدال والاقتصاد في النوافل فأمره بأن يصوم بعض الأيام ويفطر بعضها ، فيتقوى بالثانية على الأولى وأن يقوم من الليل وينام بعضه كذلك .

فأمره صلى الله عليه وسلم بالجمع بين الحقوق التي بينها له " فكأنه قال له ولا يمنعك اشتغالك بحقوق من ذكر أن تضيع حق العبادة وتترك المندوب جملة ، ولكن اجمع بينهما "(4)

 


(1) - أخرجه البخاري ، كتاب التهجد ، باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه ( 1152 )، ومسلم ، كتاب الصيام ( 1159 )

(2) - أخرجه البخاري ، كتاب التهجد ، باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه ( 1153 )، ومسلم ، كتاب الصيام ( 1159 )

(3) - فتح الباري 3/ 39 ، بتصرف يسير .

(4) - فتح الباري 3/ 39  بتصرف يسير.

 

 



بحث عن بحث