شهر صفر

 

الكاتب : أبو عائشة

بسم الله الرحمن الرحيم، و صلى الله وسلم على رسول الله، أما بعد.

 

فبعد المحرم يأتي صفر، وهو 29يوما، أو 30، وسمي بذلك لأصفار أهل مكة منها، أي سفرهم منها، وقيل لأنهم كانوا يغزون القبائل فيتركون من أغروا عليه صفرا من الأمتعة.

 

و قد ورد في الشرع النهي عن التشاؤم به، كما كان الحال عليه في الجاهلية .فعن أبي هريرة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : ( ولا صفر ) ‏ ‏فيه تأويلان : أحدهما المراد تأخيرهم تحريم المحرم إلى صفر , وهو النسيء الذي كانوا يفعلونه , وبهذا قال مالك وأبو عبيدة . والثاني أن الصفر دواب في البطن , وهي دود , وكانوا يعتقدون أن في البطن دابة تهيج عند الجوع , وربما قتلت صاحبها , وكانت العرب تراها أعدى من الجرب ، وهذا التفسير هو الصحيح , وبه قال مطرف، وابن وهب، وابن حبيب، وأبو عبيد، وخلائق من العلماء , وقد ذكره مسلم عن جابر بن عبد الله راوي الحديث , فيتعين اعتماده , ويجوز أن يكون المراد هذا، والأول جميعا , وأن الصفرين جميعا باطلان , لا أصل لهما , ولا تصريح على ‏قوله - صلى الله عليه وسلم- : ( ولا صفر ) . قاله الإمام النووي في تفسير صحيح مسلم، و قال الإمام ابن رجب في تلخيص لطائف المعارف: " و أما تخصيص الشؤم بزمان دون زمان كشهر صفر أو غيره فغير صحيح، وإنما الزمان كله خلق الله تعالى، و فيه تقع أفعال بني آدم، فكل زمان شغله المؤمن بطاعة الله فهو زمان مبارك عليه، و كل زمان شغله العبد بمعصية الله فهو مشؤم عليه، فالشؤم في الحقيقة معصية الله تعالى".

 

وقد قابل بعض الناس بدعة التشاؤم بصفر ببدعة التفاؤل، فتسمعهم يقولون صفر الخير، وهذا أيضًا مردود وضلال.

قال الشيخ العثيمين:" وبعض الناس إذا انتهى من عمل معين في اليوم الخامس والعشرين - مثلاً - من صفر أرَّخ ذلك وقال : انتهى في الخامس والعشرين من شهر صفر الخير، فهذا من باب مداواة البدعة بالبدعة ، فهو ليس شهر خير ولا شر ؛ ولهذا أنكر بعض السلف على من إذا سمع البومة تنعق قال : " خيراً إن شاء الله " ، فلا يقال خير ولا شر ، بل هي تنعق كبقية الطيور . مجموع الفتاوى.

     

وقد انتشر في هدا الشهر بدع ومحدثات باطلة، منها عدم السفر فيه، وترك الزواج فيه، ونافلة آخر أربعاء من هذا الشهر، والتبرك بآيات السلام في آخر أربعاء من هذا الشهر.

قال صاحب كتاب البدع الحولية(.فكثير من الجهال يتشاءم بصفر ، وربما ينهى عن السفر فيه ، وقد قال بعض هؤلاء الجهال : ذكر بعض العارفين أنه ينزل في كل سنة ثلاث مئة وعشرون ألفاً من البليات ،وكل ذلك في يوم الأربعاء الأخير من صفر ، فيكون ذلك اليوم أصعب أيام السنة كلها ، فمن صلى في ذلك اليوم أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، وسورة الكوثر سبع عشرة مرة، والإخلاص خمس عشرة مرة ، والمعوذتين مرة ، ويدعو بعد السلام بهذا الدعاء ، حفظه الله بكرمه من جميع البليات التي تنزل في ذلك اليوم، ولم تحم حوله بلية في تلك السنة ، وهذا هو الدعاء : (( بعد البسملة....... اللهم يا شديد القوة، ويا شديد المحال، يا عزيز ، يا من ذلت لعزتك جميع خلقك. اكنفني من شر خلقك ، يا محسن، يا مجمل، يا متفضل ، يا منعم، يا متكرم ، يا من لا إله إلا أنت ، ارحمني برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم بسر الحسن، وأخيه، وجده، وأبيه، وأمه، وبنيه، اكفني شر هذا اليوم، وما ينزل فيه، يا كافي المهمات، ويا دافع البليات ، فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين )).

 

وكذلك ما يفعله بعض الناس في اجتماعهم في آخر أربعاء من شهر صفر بين العشاءين في بعض المساجد ، ويتحلقون إلى كاتب يرقم لهم على أوراق آيات السلام السبعة على الأنبياء ؛ كقوله تعالى : {سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} . ثم يضعونها في الأواني، ويشربون من مائها، ويعتقدون أن سر كتابتها في هذا الوقت،ثم يتهادونها إلى البيوت. ونظير هذا تشاؤم بعض الناس في بعض الأقطار الإسلامية من عيادة المريض يوم الأربعاء، وتطيرهم منه. ولا شك التشاؤم بصفر، أو بيوم من أيامه، هو من جنس الطيرة المنهي عنها: فقد قال - صلى الله عليه وسلم-:(لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة ، ولاصف)...وقال أيضا في نفس الكتاب(.ومع ذلك لا زال كثير من الناس يتشاءمون من شهر صفر ، ومن السفر فيه ،فلا يقيمون فيه مناسبة، ولا فرحاً ، فإذا جاء في نهاية الشهر ، احتفلوا في الأربعاء الأخير احتفالاً كبيراً، فأقاموا الولائم، والأطعمة المخصوصة، والحلوى ، خارج القرى والمدن ، وجعلوا يمشون على الأعشاب للشفاء من الأمراض .

    

وهذا لا شك أنه من الجهل الموقع في الشرك – والعياذ بالله – ومن البدع الشركية ، ويتوقف بالدرجة الأولى على سلامة العقيدة . فهذه الأمور لا تصدر إلا ممن يشوب اعتقاده بعض الأمور الشركية، التي يجر بعضها بعضاً كالتوسلات الشركية، والتبرك بالمخلوقين، والاستغاثة بهم). والخلاصة أن شهر صفر ليس شهر خير، ولا شهر شؤم؛ لأنه لا دليل في الشرع على أحدهما.

   

 فعلى المسلم اتباع سنة المصطفى - عليه الصلاة والسلام-  واجتناب البدع و المحدثات.

   

 وصلى الله على محمد وآله، وأزواجه، و ذريته، وسلم تسليما كثيرًا



بحث عن بحث