من مقاصد الصيام 

 

الحمد لله الذي هدانا لأفضل الأديان، وفرض علينا شهر الصيام، لما فيه من الفضائل والفوائد الحسان، وصلى الله على خير الأنام نبينا محمد وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، أما بعد:

 

أيها الأخوة المسلمون: تقبل الله صيامكم وقيامكم، وطابت أوقاتكم بالخير العظيم والأجر الكريم.

أيها الأخوة والأخوات: تحدثنا في الدرس السابق عن فضل شهر رمضان وعرفنا أن الله تعالى خصّ شهر رمضان بفضائل لا تجتمع في غيره، ومنها أنه سبب لتكفير الذنوب ومضاعفة الأجر والثواب، وأن رائحة فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك، وأن للصائم فرحتين فرحة في الدنيا وفرحة في الآخرة، وأن الصائم يستجاب دعاؤه حتى يفطر، وغير ذلك من الفضائل الكبيرة وفي هذا الدرس نستعرض بعض مقاصد الصوم وفوائده على الفرد والأسرة والمجتمع والأمة الإسلامية، نستعرضها إجمالاً.

لاشك – أخي المسلم – أنه يكفينا في الحث على الصيام والدعوة إليه أن الله أمرنا بالصيام، دون أن نعدد فوائده وأسراره، ولكن لا مانع من ذلك لأن الله تعالى علم المسلم في كثير من آيات الكتاب المبين أسراراً تشريعية شحناً للأذهان نفكر ونعمل، فعندما علمنا آداب الاستئذان في البيوت ختم الآيات بقوله: (هو أزكى لكم) وحين أمر المؤمنين بغض الأبصار نبهنا إلى الفائدة الاجتماعية من ذلك بقوله: (ذلك أزكى لهم).

 

أيها الصائمون..

وإن من أسرار الصيام ومقاصده:

1-  تقوى الله عز وجل فهي من أعظم مقاصده، والتقوى: فعل كل خلق جميل يحبه الله تعالى ويحمد صاحبه عليه في الدنيا، وهي: الوقاية من كل خلق ذميم يؤذي الفرد والمجتمع، وهي: كل عمل يقرب من الله ويبعد من الشيطان، فمن حكمة الصيام التوصل إلى التقوى: يقول الله سبحانه و تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) فختم الآية جل وعلا بأن من حكمة الصيام تقوى الله عز وجل.

 

2-  ومن مقاصد الصيام ضبط النفس عن الشهوات والملذات، فالنفس ميالة إلى رغباتها وشهواتها، والصوم يساعد الصائم على ضبط نفسه عن المحرمات والمكروهات ليقبل على الله جل وعلا بنفس مطمئنة راضية.

يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: (المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات، وتعديل قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، وقبول ما تزكوا به مما فيه حياتها الأبدية ويكسر الجوع والظمأ من حتها وسورتها، ويذكرها بما للأكباد الجائعة من المساكين، وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها. ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماحة، وتلجم بلجامه، فهو لجام المتقين، وجنة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقربين. ا.هـ.

 

3-  في الصوم تربية على الخلق العظيم، والسلوك المستقيم، ذلك أن الصوم عبادة مستورة بين العبد وربه، لا يكون فيه الرياء ولا الخداع، ولا يطلب عليه المدح ولا الثناء، يصوم المؤمن وحسبه من جوعه وخضوعه علم الله به وإطلاعه على صدق نيته، وحسبه من الثواب أن يطهر نفسه من الخداع والرياء، وأن يلزم لسان الصدق والوفاء.

يخجل من الكذب والغش والسرقة والغيبة والنميمة والإيذاء والعدوان على الناس في أعراضهم وأموالهم.

هذا كله من تربية الصوم، وإلا لما أدى مقصوده، يوضح هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه)، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن سآبّه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم).

 

4-  ومن مقاصد الصيام أن الصوم جنة من العذاب والأخلاق السيئة فهو يعود النفس على الصبر والحلم، وتجنب كل ما من شأنه إثارة الغضب لأن الصوم نصف الصبر، والصبر نصف الإيمان، روى النسائي عن معاذ بن جبل في حديثه الطويل – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أدلك على أبواب الخير؟ قلت: بلى، قال: الصوم جنة).

يقول العلامة ابن رجب رحمه الله تعالى: (فإن الصيام من الصبر، وقد قال الله تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).

 

ولهذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمى شهر رمضان شهر الصبر، والصبر ثلاثة أنواع:

1/ صبر على طاعة الله.

2/ صبر عن محارم الله.

3/صبر على أقدار الله المؤلمة.

وتجتمع الثلاثة في الصوم، فإن فيه صبراً على ما يحصل للصائم فيه من ألم الجوع والعطش وضعف النفس والبدن، وهذا الألم الناشئ من أعمال الطاعات يثاب عليه صاحبه.

كما قال الله تعالى في المجاهدين: ( ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله، ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح، إن الله لا يضيع أجر المحسنين ).

 

5-  ومن مقاصد الصيام أنه يبعث في الإنسان فضيلة الرحمة بالفقراء والعطف على المساكين ذلك أن الإنسان إذا ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات تذكر الجائع المسكين في سائر الأوقات فيسارع إلى رحمته والإحسان إليه، قيل ليوسف عليه السلام – وكان كثير الجوع – لم تجوع وأنت على خزائن الأرض؟ قال: إني أخاف أن أشبع فأنسى الجائع.

 

ومجتمع هذه صفته، غنيه يعطف على فقيره، والجار يحسن لجاره، والقريب يصل قريبه، مجتمع جريء بأن لا يبقى فيه جائع، ولا تحصل فيه رذيلة.

 

أسأل الله الكريم أن يهدينا إلى صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



بحث عن بحث