استقبال رمضان
عبدالملك الجاسر

 

 الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

 فلقد اصطفى الحق تبارك وتعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وجعله رسولا للعالمين، وخاتما للنبيين، فجاءت رسالته عامة شاملة لجميع أمور الحياة، على اختلاف الأزمان وتعاقب الأجيال...

 

ولقد اختار الله من الأزمان مواسم للطاعات، واصطفى فيها أياما وليالي وساعات فضلا منه وإحسانا...

 في ليلة من الليالي المظلمة التي يختفي فيها القمر تماما، بحيث لا ترى فيها إلا ظلاما في ظلام، لاح هلال رمضان، إيذانا منه بشهر الخيرات والطاعات، ومذكرا الأمة الإسلامية بأيامه المباركات وما يكون فيها من النفحات، فاستقبله الناس ولسان حالهم:

      مرحبا أهلا وسهلا بالصيام

                                         يا حبيبا زارنا في كل عالم

 

واستشعروا في نفوسهم أن:

رمضان... شهر الرحمة والغفران...

                   شهر الصلاح والإيمان...

                           شهر الصدقة والإحسان...

 

يستشعرون أن رمضان من صامه وقامه إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه...

 ولذلك: له في نفوسهم بهجة، وفي قلوبهم فرحة، لأنهم يدركون أنه رُّب ساعة قبول أدركت عبدا فبلغ بها الدرجات العُلى...

 ولا عجب في ذلك، فالصوم هو العبادة الوحيدة التي خصها الله تعالى لنفسه، كما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال:

(كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، يقول الله عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك )..

 

ويكفي الصائم - بعد هذا كله -: تشريف الله وملائكته بالصلاة عليه، فقد صح عند ابن حبان وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين )..

 

بل أكثر من ذلك: فإن الله عز وجل جعل للصائمين يوم القيامة بابا يخصهم يُقال له ( الريان )، وهو باب لا يدخله إلا الصائمون، فإذا دخل آخرهم أُغلق، ومن دخل فإنه يشرب شربة لا يظمأ بعدها أبدا...

 

فيا لكرم العزيز المنان، حين شرع لنا الصيام، ليكرمنا غاية الإكرام...

 ولذلك لا غرابة أن يبكي أحدُ الصالحين عند موته، فلما سألوه عن ذلك قال: ( أبكي على أن يصوم الصائمون لله ولست فيهم، ويصلي المصلون ولست فيهم)..

فيا لعظيم همتهم وحرصهم، ولا عجب فهم:

 خلق كأن الشمس تحسدهم على

                                      كرم الطباع وزينة الأوصاف

ضمنت لهم الدنيا الثناء فكلما

                                     ذُكروا جاد الناس بالإتحاف

 

 فالله الله إخواني الفضلاء بالجد والإجتهاد في هذا الموسم العظيم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما عند الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة: ( إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفّدت الشياطين ومردة الجن، وغُلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة )...

وأخير أقول:

أما آن للعصاة أن ينغمسوا في نهر الصيام، ليطهروا تلك الأجساد من الآثام؟

 أما آن لثياب العصيان أن تُخلع في رمضان، ليلبس مكانها ثياب  الرضوان؟... أما آن؟؟؟

 إخواني: إن رمضان فرصة العمر السانحة، وموسم البضاعة الرابحة، فرغم أنف من دخل عليه رمضان فلم يُغفر له...

 

 فيا رب  لا تخيب رجاء من دعاك، وقصدك دون سواك...

 نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لصيام رمضان وقيامه، وأن يجعلنا من عتقاءه، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...



بحث عن بحث