المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد...

فإن الحقائق السامية في معانيها وأهدافها تأخذ صورتها الرائعة إذا صيغت في قالب حسي يُقرِّبها إلى الأفهام، والتمثيل هو القالب

الذي يبرز المعاني في صورة حيّة تستقر في الأذهان، بتشبيه الغائب بالحاضر، والمعقول بالمحسوس، وقياس النظير على النظير، وكم من معنى

جميل أكسبه التمثيل روعةً وجمالاً، فكان ذلك أدعى لتقبل النفس له، واقتناع العقل به، وهو من أساليب السنة النبوية في ضروب بيانها.

 

تعريف الأمثال:

الأمثال جمع مثل بفتحتين، والمَثَلُ والمِثْل والمَثِيل: كالشَّبَه والشِّبْه والشَّبِيْهِ لفظًا ومعنىً.

قال الزمخشري: "المَثَلُ في الأصل بمعنى المِثْل، أي: النظير. يقال: مَثَلٌ ومِثْلٌ ومَثِيْلٌ كشَبَه وشِبْه وشَبِيْه، ثم قال: ويستعار للحال، أو الصفة، أو القصة، إذا كان لها شأن وفيها غرابة"(1).

وقال ابن القيم: "إنها تشبيه شيء بشيء في حكمه، وتقريب المعقول من المحسوس أو أحد المحسوسين من الآخر واعتبار أحدهما بالآخر"(2).

وقال البيضاوي: المثل في الأصل بمعنى النظير يقال: مَثَل ومِثْل ومَثِيل كشَبَه وشِبْه وشَبِيه، ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده، ولا يضرب إلا

ما فيه غرابة؛ ولذلك حوفظ عليه من التغيير، ثم استعير لكل حال أو قصة أو صفة لها شأن وفيها غرابة، مثل قوله تعالى:

 

((مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ))[سورة محمد: 15]، وقوله تعالى: ((وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى)) [سورة الروم: 27] (3).

والمثل في الأدب: قول محكي سائر يقصد به تشبيه حال الذي حُكِيَ فيه بحال الذي قيل لأجله، أي: يشبه مضربه بمورده، مثل: " رُبَّ رميةٍ من غير

رامٍ" أي: رُبَّ رميةٍ مُصيبةٍ حصلت من رامٍ شأنه أن يخطئ، وأول من قال هذا: الحكم بن يغوث النقري، يُضرب للمخطئ يصيب أحيانًا، وعلى هذا فلا

بد له من مورد يُشَبَّه مضربه به.

 

ويطلق المثل على الحال، والصفة، والقصة العجيبة الشأن، وأشار الزمخشري إلى هذه المعاني الثلاثة في كشافه فقال:

" والمثل في أصل كلامهم بمعنى المِثل والنظير، ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده: مثل، ولم يضربوا مثلاً ولا رأوه أهلاً للتيسير ولا جديرًا

بالتداول والقبول إلا قولاً فيه غرابة من بعض الوجوه" ثم قال: وقد استعير المثل للحال أو الصفة أو القصة إذا كان لها شأن، وفيها غرابة.

 

وهناك معنى رابع ذهب إليه علماء البيان في تعريف المثل، فهو عندهم: المجاز المركب الذي تكون علاقته المتشابهة متى فشا استعماله، وأصله

الاستعارة التمثيلية، كقولك للمتردد في فعل أمر: " مالي أراك تُقدِّم رِجْلاً وتؤخِّر أخرى".

وقيل في ضابط المثل كذلك: إنه إبراز المعنى في صورةٍ حسّيةٍ تكسبه روعةً وجمالاً. والمثل بهذا المعنى لا يُشترط أن يكون له مورد، كما

لا يُشترط أن يكون مجازًا مركبًا.

والأمثال مقادير الأفعال، والمتمثل كالصانع الذي يقدر صناعته؛ كالخياط يقدر الثوب على قامة المخيط ثم يفريه ثم يقطع، وكل شيء به قالب ومقدار،

وقالب الكلام ومقداره الأمثال.

 

وقال الخفاجي سمي مثلا لأنه ماثل بخاطر الإنسان أبدًا، أي شاخص فيتأسى به ويتعظ ويخشى ويرجو والشاخص المنتصب(4).

 

الهوامش:

(1) ينظر: البرهان في علوم القرآن، 1/ 490.

(2) إعلام الموقعين لابن القيم، 1/ 150، والأمثال في القرآن الكريم، 1/ 9.

(3) تفسير البيضاوي، 1/ 186.

(4) ينظر: البرهان في علوم القرآن، 1/ 487.



بحث عن بحث