قال الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في (كتاب الجهاد، باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة)

 

حدثنا مطر بن الفضل حدثنا يزيد بن هارون حدثنا العوام حدثنا إبراهيم أبو إسماعيل السكسكي قال: سمعت أبا بردة واصطحب هو ويزيد بن أبي كبشة في سفر، فكان يزيد يصوم في السفر فقال له أبو بردة: سمعت أبا موسى مراراً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً)).

المبحث الأول: التخريج:

انفرد البخاري عن مسلم بإخراج هذا الحديث فأورده في هذا الموضع من صحيحه.

وقد رواه في (الأدب المفرد) فقال: (باب يكتب للمريض ما كان يعمل وهو صحيح)، حدثنا قبيصة بن عقبة قال: حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن القاسم بن مخيمرة عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أحد يمرض إلاَّ كتب له مثل ما كان يعمل وهو صحيح)).

وأخرجه أبو داود في (كتاب الجنائز) من سننه فقال: (باب إذا كان الرجل يعمل عملاً صالحاً فشغله عنه مرض أو سفر)، حدثنا محمد بن عيسى ومسدد ـ المعنى ـ قالا: حدثنا هشيم عن العوام بن حوشب عن إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي عن أبي بردة عن أبي موسى قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين يقول: ((إذا كان العبد يعمل عملاً صالحاً فشغله عنه مرض أو سفر، كتب له كصالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم))، ورواه أحمد في مسنده.

وورد بمعناه أحاديث، فعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أحد من الناس يصاب ببلاء في جسده إلاَّ أمر الله عزوجل الملائكة الذين يحفظونه فقال: اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة ما كان يعمل من خيرٍ ما كان في وثاقي))، قال الهيثمي في (مجمع الزوائد): رواه أحمد، والبزار، والطبراني في (الكبير)، ورجال أحمد رجال الصحيح، وأخرجه الحاكم في مستدركه، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه فقال: على شرطهما، وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض، قيل للملك الموكل به: اكتب له مثل عمله إذا كان طليقاً حتى أطلقه أو ألقيه إليَّ)).

قال الهيثمي في (مجمع الزوائد): رواه أحمد وإسناده صحيح، وقال المنذري في (الترغيب والترهيب): وإسناده حسن، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ابتلَى الله عزوجل العبد المسلم ببلاء في جسده، قال الله عزوجل للملَك: اكتب له صالح عمله الذي كان يعمله، فإن شفاه غسله وطهره وإن قبضه غفر له ورحمه))، قال الهيثمي: رواه أبو يعلى وأحمد، ورجاله ثقات. انتهى.

ورواه أيضاً البخاري في (الأدب المفرد)، وعن شقيق بن عبد الله قال: مرض عبد الله بن مسعود فعدناه، فجعل يبكي فعوتب فقال: إني لا أبكي لأجل المرض لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((المرض كفارة))، وأنا أبكي أنه أصابني على فترة ولم يصبني في حال اجتهاد، لأنه يكتب للعبد من الأجر إذا مرض ما كان يكتب له قبل أن يمرض فمنعه منه المرض. أخرجه رزين كما في (جامع الأصول) لابن الأثير، وكما في (مشكاة المصابيح)، وذكر الحافظ في (الفتح) أن الإسماعيلي أخرج حديث أبي موسى هذا من رواية هشيم عن العوام بن حوشب، وقال فيه أيضاً: ولرواية إبراهيم السكسكي عن أبي بردة متابع، أخرجه الطبراني من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده بلفظ: ((إن الله يكتب للمريض أفضل ما كان يعمل في صحته مادام في وثاقه)) الحديث، وفي حديث عائشة عند النسائي: ((ما من امرئ تكون له صلاة من الليل يغلبه عليها نوم أو وجع إلاَّ كتب الله له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة))، وذكر حديث أبي هريرة رفعه: ((من توضأ فأحسن وضوءه، ثم خرج إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا، أعطاه الله مثل أجر من صلى وحضر، لا ينقص ذلك من أجره شيئاً))، وقال: أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وإسناده قوي. انتهى.

المبحث الثاني: التعريف برجال الإسناد:

الأول: شيخ البخاري مطر بن الفضل: قال الحافظ ابن حجر في (تقريب التهذيب): مطر بن الفضل المروزي ثقة من الحادية عشرة، قال الفربري مات عندنا، أي بعد الخمسين. انتهى. والمراد من قول الفربري المشار إليه: أنه مات في فِربَر بعد المائتين والخمسين.

وقال في (خلاصة تذهيب الكمال): مطر بن الفضل المروزي عن وكيع وغيره وعنه البخاري، قال ابن حبان: مستقيم الحديث. وقال أبو الفضل بن طاهر المقدسي في (الجمع بين رجال الصحيحين): سمع يزيد بن هارون، وشبابة، وروح بن عبادة. روى عنه البخاري في (الصلاة) و(الجهاد) و(هجرة النبي صلى الله عليه وسلم). انتهى. وهو من رجال البخاري دون بقية أصحاب الكتب الستة.

الثاني: يزيد بن هارون: وهو يزيد بن هارون بن زاذان السلمي مولاهم، أبو خالد الواسطي، ثقة، متقن، عابد، من التاسعة، مات سنة ست ومائتين وقد قارب التسعين، قاله الحافظ في (تقريب التهذيب).

وقال في (الخلاصة): أحد الأعلام الحفاظ المشاهير، عن سليمان التيمي، وحميد الطويل، والجريري، وداود بن أبي هند، وخلق. وعنه بقية، وابن المديني، وأحمد، وإسحاق، وعبد بن حميد، وخلق. قال أحمد: كان حافظاً متقناً. وقال العجلي: ثقة ثبت. وقال أبو حاتم: إمام لا يسأل عن مثله. انتهى.

وقد أثنى عليه أئمة آخرون غير هؤلاء، وقال في (الجمع بين رجال الصحيحين): قال أحمد بن حنبل: ولد سنة ثمان عشرة ومائة. وقال ابن سعد: مات بواسط في غرة شهر ربيع الأول سنة ست ومائتين. انتهى. وقد خرج حديثه الجماعة.

الثالث: العوام: وهو ابن حوشب بن يزيد الشيباني، أبو عيسى الواسطي، ثقة، ثبت، فاضل، من السادسة، مات سنة ثمان وأربعين أي بعد المائة، قاله في (تقريب التهذيب)، وذكر في (تهذيب التهذيب) أنه روى عن أبي إسحاق السبيعي، ومجاهد، وسعيد بن جهمان، وإبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي، وغيرهم. وروى عنه سفيان بين حبيب، وحفص بن عمر الرازي، وهشيم، ويزيد بن هارون، وغيرهم. وذكر أيضاً توثيق الإمام أحمد، وابن معين، وأبي زرعة، والعجلي، وابن سعد، والحاكم له، وقد خرّج حديثه الجماعة.

الرابع: إبراهيم أبو إسماعيل السكسكي: وهو إبراهيم بن عبد الرحمن بن إسماعيل السكسكي، أبو إسماعيل الكوفي مولى صُخير. قاله الحافظ في (تهذيب التهذيب)، وقال: روى عن عبد الله بن أبي أوفى، وأبي بردة بن أبي موسى، وأبي وائل، وغيرهم. وعنه العوام بن حوشب، ومسعر، وأبو خالد الدالاني، وغيرهم.

وقال في مقدمة (فتح الباري): قال أحمد: ضعيف. وقال النسائي: يكتب حديثه وليس بذلك القوي. وقال ابن عدي: لم أجد له حديثاً منكر المتن، وهو إلى الصدق أقرب. وقال الحاكم: قلت للدار قطني: لِمَ ترك مسلم حديثه؟ فقال: تكلم فيه يحيى بن سعيد. قلت بحجة؟ قال: هو ضعيف. ثم ذكر الحافظ أن له في الصحيح حديثين أحدهما عن عبد الله بن أبي أوفى في نزول قوله تعالى: ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلاً ) أخرجه في التفسير وغيره، وهذا له أصل من حديث ابن مسعود فهو شاهد له، والثاني من حديثه عن أبي بردة عن أبيه: ((إذا مرض العبد أو سافر)) الحديث.

وقال في (تهذيب التهذيب): وذكره ابن حبان في (الثقات). وقال في (تقريب التهذيب): صدوق ضعيف الحفظ من الخامسة. وقال الذهبي في (ميزان الاعتدال): كوفي صدوق، لينه شعبة والنسائي ولم يترك. انتهى. وقد روى له أيضاً أبو داود والنسائي، ولم أقف لأحد على ذكر سنة وفاته.

الخامس: أبو بردة: وهو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، قيل: اسمه عامر، وقيل: الحارث، ثقة من الثالثة، مات سنة أربع ومائة، وقيل غير ذلك، وقد جاوز الثمانين. قاله الحافظ ابن حجر في (تقريب التهذيب)، وقال في (تهذيب التهذيب): روى عن أبيه، وعليّ، وحذيفة، وعبد الله بن سلام، وعن أناس آخرين سماهم، ثم قال: وعنه أولاده سعيد وبلال، وحفيده أبو بردة يزيد بن عبد الله بن أبي بردة، والشعبي وهو من أقرانه، وعاصم بن كليب، وإبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي، وأناس آخرون سماهم. ثم ذكر توثيق ابن سعد، والعجلي، وابن خراش، وابن حبان له، وحديثه خرّجه الجماعة.

أما يزيد بن أبي كبشة فليس من رواة الحديث كما هو معلوم، وإنما أورد أبو بردة الحديث من أجل صيامه في السفر، وقد قال الحافظ في (فتح الباري): ويزيد بن أبي كبشة هذا شامي، واسم أبيه حيويل ـ بفتح المهملة وسكون التحتانية وكسر الواو وبعدها تحتانية أخرى ساكنة ثم لام ـ وهو ثقة ولي خراج السند لسليمان بن عبد الملك، ومات في خلافته، وليس له في البخاري ذكر إلاّ في هذا الموضع. انتهى.

السادس: صحابي الحديث أبو موسى الأشعري: وهو عبد الله بن قيس بن سلم ابن حضار ـ بفتح المهملة وتشديد الضاد المعجمة ـ أبو موسى الأشعري، صحابي مشهور، أمّره عمر ثم عثمان، وهو أحد الحكمين بصفين، مات سنة خمسين، وقيل بعدها، قاله الحافظ في (تقريب التهذيب).

وقال الخزرجي في (الخلاصة): له ثلاثمائة وستون حديثاً، اتفقا على خمسين، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بخمسة وعشرين. وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح أن عدة أحاديثه عند البخاري سبعة وخمسون حديثاً، وقال في (تهذيب التهذيب): روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر، وعمر، وعليّ، وابن عباس، وأبيّ بن كعب، وعمار بن ياسر، ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم، وعنه أولاده: إبراهيم وأبو بكر وأبو بردة وموسى، وامرأته أم عبد الله، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وأناس آخرون سماهم. وقال أيضاً: ومناقبه كثيرة. وقال في كتابه (الإصابة): واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض اليمن كزبيد، وعدن وأعمالها، واستعمله عمر على البصرة بعد المغيرة، فافتتح الأهواز ثم أصبهان، ثم استعمله عثمان على الكوفة ثم كان أحد الحكمين بصفين ثم اعتزل الفريقين. وقال أيضاً: وكان حسن الصوت بالقرآن، وفي الصحيح المرفوع: ((لقد أوتي مزماراً من مزامير آل داود)). انتهى. وحديثه في الكتب الستة.

المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث:

(1) هذا الحديث أحد الأحاديث التي انتقدها الحافظ الدار قطني على البخاري، وقد تقدم أن جملة الأحاديث التي انتقدها الحفاظ على الإمام البخاري مائة وعشرة أحاديث، انفرد البخاري عن مسلم بثمانية وسبعين حديثاً، وشاركه مسلم في إخراج اثنين وثلاثين، ووجه الانتقاد في هذا الحديث من الدار قطني أنه قال: لم يسنده غير العوام بن حوشب، وخالفه مسعر فرواه عن إبراهيم السكسكي عن أبي بردة قوله ولم يذكر أبا موسى ولا النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.

وقد أجاب الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح عن هذا الانتقاد بجوابين قال فيهما: قلت: مسعر أحفظ من العوام بلا شك، إلاّ أن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي فهو في حكم المرفوع، وفي السياق قصة تدل على أن العوام حفظه، فإن فيه: اصطحب يزيد بن أبي كبشة وأبو بردة في سفر، فكان يزيد يصوم في السفر، فقال له أبو بردة: أفطر فإني سمعت أبا موسى مراراً يقول، فذكره. وقد قال أحمد بن حنبل: إذا كان في الحديث قصة دل على أن راويه حفظه، والله أعلم. انتهى كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله.

وهناك جوابان آخران (أحدهما): أنه ورد مسنداً من غير طريق العوام بن حوشب عند البخاري في (الأدب المفرد)، وقد تقدم سنداً ومتناً في التخريج، (الثاني): أن الحكم في تعارض الرفع والوقف والوصل والإرسال لمن أرسله أو وقفه إذا كان أحفظ، إنما هو قول لبعض العلماء، وقد رجّح كثير من العلماء أن الحكم لمن وصله أو رفعه، قال النووي في (التقريب): والصحيح أن الحكم لمن وصله أو رفعه، سواء كان المخالف له مثله أو أكثر، لأن ذلك زيادة ثقة وهي مقبولة.

وقال السيوطي في (التدريب): إنه الصحيح عند أهل الحديث والفقه والأصول. وقال أبو عمرو بن الصلاح في (علوم الحديث) في معرض تعداد الأقوال في المسألة: ومنهم من قال الحكم لمن أسنده إذا كان عدلاً ضابطاً، فيقبل خبره وإن خالفه غيره، سواء كان المخالف له واحداً أو جماعة. قال الخطيب: هذا القول هو الصحيح. ثم قال ابن الصلاح: قلت: وما صححه هو الصحيح في الفقه وأصوله. وسئل البخاري عن حديث: ((لا نكاح إلا بوليٍّ)) فحكم لمن وصله وقال: الزيادة من الثقة مقبولة، فقال البخاري هذا مع أن من أرسله شعبة وسفيان وهما جبلان لهما من الحفظ والإتقان الدرجة العالية، ويلتحق بهذا ما إذا كان الذي وصله هو الذي أرسله، وصله في وقت وأرسله في وقت، وهكذا إذا رفع بعضهم الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ووقفه بعضهم على الصحابي، أو رفعه واحد في وقت ووقفه هو أيضاً في وقت آخر، فالحكم على الأصح في كل ذلك لما زاده الثقة من الوصل والرفع، لأنه مثبت وغيره ساكت، ولو كان نافياً فالمثبت مقدم عليه لأنه علم ما خفي عليه. انتهى. وقال العراقي في ألفيته:

                                   واحكم لوصل ثقة في الأظهر

 

وبهذه الأجوبة تتضح سلامة هذا الحديث من الانتقاد الذي وجهه الدار قطني إليه.

(2) رجال الإسناد الستة خرّج حديثهم أصحاب الكتب الستة إلاّ شيخ البخاري مطر بن الفضل فقد انفرد البخاري بإخراج حديثه، وإلاّ إبراهيم السكسكي فلم يرو له مع البخاري سوى أبي داود والنسائي، وقد أخرج له البخاري حديثين كما ذكره الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري.

(3) العوام في الإسناد غير منسوب وهو ابن حوشب، ولا لبس في عدم نسبته لأنه ليس في رجال البخاري مَن اسمه العوام غيره، بل جملة من اسمه العوام عند أصحاب الكتب الستة ثلاثة هذا أحدهم وقد اتفقوا على إخراج حديثه، والثاني العوام بن حمزة المازني البصري، وهو من رجال الترمذي وحده، والثالث العوام بن عباد الواسطي وهو من رجال ابن ماجه وحده.

(4) هذا الحديث رواه أبو بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه أبي موسى رضي الله عنه فهو من رواية الأبناء عن الآباء.

(5) في سند هذا الحديث واسطيان وهما: يزيد بن هارون وشيخه العوام بن حوشب.

(6) يزيد بن أبي كبشة الذي أورد أبو بردة الحديث من أجل صيامه معه في السفر ليس له ذكر في صحيح البخاري إلا في هذا الموضع كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله.

المبحث الرابع: شرح الحديث:

(1) هذا الحديث أورده البخاري في (كتاب الجهاد) لأن الجهاد لابد فيه من السفر غالباً.

(2) معنى الحديث: إذا مرض العبد المسلم وكان يعمل عملاً صالحاً قبل مرضه ومنعه منه المرض ونيته لولا المانع إدامته، أو سافر سفراً مباحاً ومنعه السفر مما قطعه على نفسه من الطاعة ونيته المداومة عليه، كتب له من الأجر قدر ثواب عمله في حال إقامته، وفي حال صحته.

(3) في الحديث شاهد لما يعرف في علم البلاغة باللف والنشر المقلوب، لأنه ذكر المرض والسفر أولاً ثم ذكر الإقامة والصحة ثانياً، فالإقامة في مقابل السفر، والصحة في مقابل المرض، ومن أمثلته في الكتاب العزيز قوله تعالى:( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون * وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون )، ومن أمثلة اللف والنشر المرتب في الكتاب العزيز قوله تعالى: ( وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا * وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا )،ومن أمثلته في السنة قوله صلى الله عليه وسلم : ((أحلت لنا ميتان ودمان، فأما الميتان فالجراد والحوت، وأما الدمان فالكبد والطحال)).

(4) في الحديث شاهد لنوعي الفعل المسند إلى الفاعل، قال ابن هشام معرفاً الفاعل في (شذور الذهب): هو ما قدم الفعل أو شبهه عليه وأسند إليه على جهة قيامه به أو وقوعه منه. انتهى. فإن الفعل (سافر) يسند إلى العبد لكون السفر وقع منه، والفعل (مرض) يسند إلى العبد لكون المرض قام به.

(5) من فقه الحديث وما يتسنبط منه:

(1) ما كان عليه سلف هذه الأمة من اتباع السنة وإرشاد الناس إليها.

(2) المذاكرة في العلم والعناية بالأدلة.

(3) إثبات كتابة أعمال العباد.

(4) أن العبد المسلم إذا كان يعمل عملاً في حال صحته فمنعه المرض كتب له مثل عمله في حال الصحة.

(5) أن المسافر يكتب له مثل ما كان يعمل في حال الإقامة كذلك.

(6) تفضل الله على عباده وإنعامه عليهم بإثابتهم على ما فعلوه من الخير وما لم يتمكنوا من فعله.

(7) بيان ضعف المخلوق وأنه لا يخرج عن كونه عبداً لله، فلا يجوز أن يصرف له ما لا يستحقه.

(8) أن من مظاهر ضعف العبد طروء المرض عليه.

(9) حاجة الإنسان إلى السفر، وأفضله السفر في الجهاد، ومن أجل ذلك أورد البخاري هذا الحديث في (كتاب الجهاد).

(10) الرد على من زعم أن الأعذار المرخصة لترك الجماعة تسقط الكراهة والإثم خاصة من غير أن تكون محصلة للفضيلة.

(11) الترغيب في المداومة على الطاعة في الصحة والإقامة ليحظى العبد في الثواب فيهما وفي حال المرض والسفر.



بحث عن بحث