آثار قيم الإسلام الخلقية في علاقة السلم والحرب (2- 4)

 

 

- كما كان لمعطيات القيم الخلقية وثمارها على المجتمع الإسلامي أثر واضح على الغرب نتيجة احتكاكه بالشرق الإسلامي عن طريق الأندلس وصقلية والحروب الصليبية .

وفي هذا يقول بريفوليت أحد الباحثين الغربيين: " إنه ما من ناحية من نواحي تقدم أوروبا إلا وللحضارة الإسلامية فيها فضل كبير وآثار حاسمة(1) " .

ويقول جوان اندريس القس الإسباني: " إن النهضة التي قامت في أوروبا في كل ميادين العلوم والفنون والآداب والصناعات إنما كانت بفضل ما ورثه عن حضارة العرب(2) " .

وإذا كان للحضارة الإسلامية بجملتها أثر في الغرب كما كان لها دور رئيس في نهضته الحديثة , إلا أن هذا التأثير يختلف قوة وضعفا من ميدان لآخر من ميادين الحياة , ومع ذلك فقد كان لتوجيهات الإسلام الخلقية ولأخلاق المسلمين الفاضلة أثر كبير في تلك الشعوب .

يقول غوستاف لوبون: " إن أوربة مدينة للعرب بحضارتها , والحق أن تأثير العرب في الغرب ليس أقل منه في الشرق , ولكن بمعنى آخر فأما تأثيرهم الديني في الغرب فتراه صفراً, وترى تأثيرهم الفني واللغوي فيه ضعيفا, وترى تأثيرهم العلمي والأدبي والخلقي فيه عظيما(3) " .

ولعل سبب قوة تأثير الحضارة الإسلامية في هذه الجوانب الأخيرة وفي الجانب الأخلاقي بالذات هو ما كانت تعانيه تلك البلاد من فوضى وفساد وترد كبير في الأخلاق , مع أهمية القيم الخلقية في تهيئة أسباب الحياة الكريمة للفرد والمجتمع , فكان لاحتكاكهم بالمسلمين أثر كبير في فضح ما هم عليه من فساد وتنبيه لهم إلى إمكان تعديل تلك الأوضاع المنحرفة وبث روح الإصلاح والتغيير في المجتمع .

ومن صور التأثر بالقيم الخلقية الإسلامية في أوروبا ما ظهر فيها من حركات تدعو إلى المساواة بين طبقات البشر , ونزعات الاحترام للمرأة , وإعلان حقوق الإنسان , وحركة تحطيم النظام الإقطاعي(4) .

- ومن ذلك تأثر الغرب بالأدب الإسلامي , والذي لم يقتصر على طريقة النظم وأسلوب معالجة الموضوعات بل تعدى ذلك إلى جوهر الأدب ومعانيه فنقلوا عن المسلمين ولا سيما في الأندلس سائر ضروب الشعر والأدب عن طريق الترجمة والتي ازدهرت في القرن الثاني عشر عندما فتحت لها المدارس ومهدت لها السبل وعن طريق الوفود التي قدمت إلى الأندلس من فرنسا وألمانيا وانجلترا لتحصيل العلوم(5) .

يقول المستشرق آرنولد:" لقد كتبت أسبانيا في القرون التي حكم فيها المسلمون صفحة من أنقى الصفحات وأسطعها في تاريخ أوروبا في العصور الوسطى , وقد امتد تأثيرها من ولاية بروفانس إلى الممالك الأوربية الأخرى وأتت بنهضة جديدة في الشعر والثقافة(6) ".

وحيث اشتملت غالب القصائد على الثناء على المعاني الكريمة والصفات الحميدة وتمجيدها , فهذا يعني انتقال هذا الاعتناء والتمجيد والتفاخر بالقيم الخلقية إلى تلك الأمم والشعوب .

_______________________

(1) د. عبد الحميد متولي – الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للدستور ص 284 , منشأة المعارف بالإسكندرية ط 2 .

(2) د. عبد الحميد متولي – المرجع السابق ص 285 .

(3) غوستاف لوبون – حضارة العرب ص 566 , نقله إلى العربية عادل زعيتر طبع بمطبعة عيسى البابي الحلبي بمصر .

(4) انظر : أبو الحسن الندوي – ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص 139.

(5) انظر : د . عبد الرحمن بدوي – دور العرب في تكوين الفكر الأوربي ص 10- 15 , مكتبة الأنجلو مصرية – القاهرة ط 2 سنة 1967 م .

محمد كرد علي – الإسلام والحضارة العربية (1 / 246 ) مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر – القاهرة ط2 سنة 1950 م .

(6) أرلوند – الدعوة إلى الإسلام ص 116 , بتصرف يسير.

 



بحث عن بحث