الحلقة (67): آثار قيم الإسلام الخلقية في حياة التابعين رحمهم الله تعالى (7-7).

 

ومن ذلك ماجرى للحسن البصري مع ابن هبيرة(1)عامل يزيد بن عبد الملك على العراق، قال ابن هبيرة : إن أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك ، يكتب إلي كتباً، أعرف أن في إنفاذها الهلكة ، فان أطعته عصيت الله عز وجل وان عصيته أطعت الله عز وجل، فهل ترى(2) في متابعتي إياه فرجا ؟.

فقال الحسن : ياعمر بن هبيرة : يوشك أن ينزل بك ملك من ملائكة الله عز وجل ، فظ غليظ ، لا يعصي الله في أمره ، فيخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ، يا عمر بن هبيرة، إن تتق الله تبارك وتعالى يعصمك من يزيد بن عبد الملك ، ولن يعصمك يزيد من الله . يا عمر بن هبيرة , ألا تأمن أن ينظر الله عز وجل إليك على أقبح ما تعمل في طاعة يزيد بن عبد الملك , نظرة مقت , فيغلق بها باب المغفرة دونك , يا عمر بن هبيرة لقد أدركت ناسا من صدر هذه الأمة , كانوا – والله – على الدنيا وهي مقبلة أشد إدبارا من إقبالكم عليها , وهي مدبرة , يا عمر بن هبيرة إني أخوفك مقام خوفك الله , فقال عز وجل ( ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ )[إبراهيم:14]. يا عمر بن هبيرة ان تك مع الله في طاعته كفاك يزيد بن عبد الملك وان تك مع يزيد بن عبد الملك على معاصي الله عز وجل وكلك الله إليه . فبكى عمر بن هبيرة , وقام بعبرته(3)

رحم الله الحسن الذي لم يثنه عن قول الحق رهبة , ولم يمنعه منه رغبة .

-   ومن ذلك ما جرى لسعيد بن جبير رحمه الله مع الحجاج في قصة طويلة جاء فيها , أن الحجاج قال له : ما تقول فيّ ؟ قال : أنت أعلم بنفسك , قال : بث(4) بعلمك . قال : إذا أسؤك ولا أسرك . قال : بث . قال: نعم , إني لأعلم أنك مخالف لكتاب الله , ترى من نفسك أمورا تريد بها الهيبة وهي التي تقحمك الهلاك , وسترد غدا فتعلم. قال : أما والله لأقتلنك قتلة لم أقتلها أحدا قبلك ولا أقتلها أحدا بعدك . قال : إذا تفسد علي دنياي وأفسد عليك آخرتك , والقصاص أمامك . قال : اذهبوا به فاضربوا عنقه . فلما ذهبوا به تبسم . فقال الحجاج : مم ضحكت ؟ قال : من جرأتك على الله عز وجل وحلم الله عنك. فأمر به فقتل رحمه الله(5) .

- ومن ذلك ما حدث لسعيد بن المسيب مع عامل عبد الله بن الزبير على المدينة :

قال ابن سعد(6): " استعمل عبد الله بن الزبير , جابر بن الأسود بن عوف الزهري(7) على المدينة , فدعا الناس إلى البيعة لابن الزبير , فقال سعيد بن المسيب : لا حتى يجتمع الناس , فضربه ستين سوطا(8)" .

- مرّ المهلب(9) على مالك بن دينار (10) , متبخترا فقال : أما علمت أنها مشية يكرهها الله إلا بين الصفين. فقال المهلب : أما تعرفني ؟ قال : بلى , أولك نطفة مذرة(11), وآخرك جيفة قذرة, وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة , فانكسر , وقال : الآن عرفتني حق المعرفة (12) .


(1) هو عمر بن هبيرة بن معاوية الفزازي ن أمير العراقيين ليزيد بن عبد الملك ، مات سنة 107هـ تقريباً . سير أعلام النبلاء (8\ 378 ) تقريب التهذيب 320 .

(2) في الأصل فهل تريا ، لأن الخطاب كان للحسن والشعبي رحمهما الله تعالى .

(3) - علقمة بن مرشد – زهد الثمانية من التابعين ص 69 – 70 , تحقيق : د . عبد الرحمن الفريوائي , مكتبة الدار بالمدينة المنورة ط2 سنة 1408 ه .

(4)- أي أفشه وأظهره . انظر : مجمع اللغة العربية – المعجم الوسيط (1 /38 )0

(5)- ابن الجوزي – صفة الصفوة (3 / 81 – 84 )0

(6) محمد بن سعد بن منيع الهاشمي البصري من الموالي , يعرف بكاتب الواقدي , مؤرخ مشهور , مات سنة 230 ه سير أعلام النبلاء (10/664 ) تقريب التهذيب 480 .

(7) جابر بن الأسود بن عوف الزهري , ولي المدينة لابن الزبير . أسد الغابة (1/106 ) الإصابة (1/60 )0جاء ذكره فيها في ترجمة أبيه .

(8) - الذهبي – سير أعلام النبلاء (5 / 122- 123 )0

(9) المهلب بن أبي صفرة الأزدي , تابعي من ثقات التابعين , مات سنة 82 ه على الصحيح . سير أعلام النبلاء (4/383 ) تقريب التهذيب 549 .

(10)مالك بن دينار البصري , الزاهد أبو يحي صدوق عابد , مات سنة 130 ه أو نحوها . سير أعلام النبلاء (5/362 ) تقريب التهذيب 517 .

(11) مذر الشيء : خبث وفسد , والمعنى نطفة مستقذرة . انظر : مجمع اللغة العربية – المعجم الوسيط (2 / 859)0

(12)- الذهبي – سير أعلام النبلاء (5 / 362 – 363)0

 



بحث عن بحث