آثار قيم الإسلام الخلقية في حياة الصحابة رضي الله عنهم (10-11).

 

 

ولا تقل قيمة الشجاعة عن قيمة الإنفاق والبذل , فبها يقهر الأعداء ويزال الظلمة , ويرفع الظلم من رقاب العباد. " وبالشجاعة والكرم في سبيل الله فضّل السابقون(1) " كما قال تعالى: (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [ الحديد:10].

ومن أدلة شجاعتهم رضي الله عنهم ما يسر الله تعالى على أيديهم من نشر الدين , وقمع أعدائه وكسر شوكتهم , فلم تمض سوى سنوات قليلة حتى خضعت الجزيرة العربية لهذا الدين, ثم لم تمض مثلها حتى فتح العراق والشام ومصر على أيديهم رضي الله عنهم .

ومن صور شجاعتهم :

- عن ابن مسعود قال : شهدت من المقداد بن الأسود(2) مشهدا لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عدل به , أتى النبي صلى الله عليه و سلم وهو يدعو على المشركين , فقال : لا نقول كما قال قوم موسى: اذهب أنت وربك فقاتلا(3)، ولكنّا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك , فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسره , يعني قوله(4) .

- عن عبد الرحمن بن عوف قال: بينما أنا واقف في الصف يوم بدر, فنظرت عن يميني وشمالي, فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت أن أكون بين أضلع منهما, فغمزني أحدهما فقال: يا عم هل تعرف أبا جهل(5) ؟ قلت نعم, ما حاجتك إليه يا ابن أخي ؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم, والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا. فتعجبت لذلك , فغمزني الآخر فقال لي مثلها, فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت: ألا إن هذا صاحبكما الذي سألتماني, فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه, ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه . فقال: أيكما قتله ؟ قال كل واحد منهما: أنا قتلته. فقال: هل مسحتما سيفيكما ؟ قالا: لا. فنظر إلى السيفين فقال: كلاكما قتله.(6) ".

- عن أنس رضي الله عنه أن عمه – أنس بن النضر(7)- غاب عن بدر فقال: غبت عن أول قتال النبي صلى الله عليه وسلم, لئن أشهدني الله مع النبي صلى الله عليه وسلم ليرين الله ما أجِد(8) . فلقي يوم أحد فهزم الناس فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء – يعني المسلمين – وأبرأ إليك مما جاء به المشركون . فتقدم بسيفه , فلقي سعد بن معاذ فقال : أين يا سعد ؟ إني أجد ريح الجنة دون أُحد. فمضى فقتل, فما عرف حتى عرفته أخته بشامة – أو ببنانة – وبه بضع وثمانون؛ من طعنة , وضربة , ورمية بسهم(9)" 


(1) - ابن تيمية – الحسبة ص 93 .

(2) هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي , تبناه الأسود بن عبد يغوث الزهري فنسب إليه , صحابي مشهور , من السابقين , مات سنة 33 ه . تقريب التهذيب ص545 .

(3) [ المائدة : 24] .

(4) - رواه البخاري , ابن حجر – فتح الباري (7 /287 )0

(5) هو عمرو بن هشام القرشي المخزومي , أبو جهل , كان أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم , وأكثرهم أذى له ولأصحابه , قتل يوم بدر . ابن الأثير – الكامل في التاريخ (1/595 ) تحقيق عبد الله القاضي , دار الكتب العلمية بيروت ط1 سنة 1407 ه . البداية والنهاية(3/287)0

(6) متفق عليه . ابن حجر – فتح الباري (6 / 246 – 247 ) النووي شرح صحيح مسلم (4 / 354 – 355)0

(7) أنس بن النضر بن ضمضم الأنصاري الخزرجي , قتل شهيدا يوم أحد . الإصابة (1/86 )0

(8) بضم أوله وكسر الجيم وتشديد الدال , يقال أجدّ في الشيء يجد إذا بالغ فيه . ابن حجر فتح الباري (7 /355)0

(9) مفق عليه , ابن حجر المرجع السابق (7 / 354 – 355)0  النووي شرح صحيح مسلم (4 / 1566)0

 



بحث عن بحث