ثانيا: رفض رواية الفاسق.
لقد أمر الله سبحانه وتعالي برد رواية الفاسق وحذر من قبولها ، فقال تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)(1).
والمراد بالنبأ الخبر ، وهو نكرة في سياق الشرط فيعم كل خبر سواء أخبر به عن رسول الله صلي الله عليه وسلم او عن غيره ، بل يدخل فيه الخبر المتعلق برسول الله صلي الله عليه وسلم قبل الخبر المتعلق بغيره ، لما يترتب علي الكذب عليه صلي الله عليه وسلم من المفاسد الدينية وطمس معالم الإسلام ، ولذا كان الكذب علي رسول الله صلي الله عليه وسلم من أفحش الذنوب وأعظمها جرما وأشدها عقابا كما سبق.
قال ابن العربي مستنبطا من الآية السابقة: (من ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعا ، لأن الخبر أمانة ، والفسق قرينة تبطلها)(2).
وقال السيوطي: (في -الآية- رد خبر الفاسق ، واشتراط العدالة في المخبر ، راويا كان أو شاهدا أو مفتيا)(3).
وقال السعدي: (الواجب عند خبر الفاسق ، التثبت والتبين ، فإن دلت الدلائل والقرائن علي
صدقه ، عمل به وصدق ، وإن دلت علي كذبه ، كذب ولم يعمل به ، ففيه دليل علي أن خبر الصادق مقبول ، وخبر الكاذب مردود ، وخبر الفاسق متوقف فيه)(4).
ومما جاء في التحذير من قبول رواية الفاسق قول النبي صلي الله عليه وسلم: (من حدث عني بحديث يري أنه كذب فهو أحد الكاذبين)(5).
فالحديث يفيد التحذير عن أن يحدث احد عن رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا بما تحقق صدقه علما أو ظنا ، إلا أن يحدث بذلك علي جهة إظهار الكذب ، فإنه لا يتناوله الحديث(6).
(1) سورة الحجرات / 6.
(2) أحام القرآن 4 / 147.
(3) الإكليل في استنباط التنزيل 3 / 1195.
(4) تيسير الكريم الرحمن ص 800.
(5) أخرجه مسلم ، المقدمة (!).
(6) انظر: المفهم للقرطبي 1 / 112.