الحلقة العاشرة

التجرد لطلب الحق (2)

   والمسلم وهو يدأب في بناء ثقافته عليه أن يجتهد في معرفة الحق وأتباعه، متلمساً سبله والطرق الموصلة إليه، وهو متى فعل ذلك بصدق وفق للظفر به، قال الله تعالى: ] وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [ [العنكبوت:69].

   كما أن عليه أن يتجرد من الهوى الذي يبعده عن ساحة الحق ويجره إلى مهاوي الباطل، وأن يحذر من الكبر فإن القلب متى هيمن عليه الكبر قسى وترفَّع عن قبول الحق، وحُرم التوفيق، قال الله تعالى: ] سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ[ [ الأعراف:146].

  كما أن على المسلم وهو يسعى في تأسيس ثقافته وبناء فكره أن يجافي الخائضين بالباطل – قراءة أو استماعاً أو مجالسة-، ومن لا يبني قوله على دليل أو برهان، قال تعالى: ] وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[[الأنعام:68].

   وقال تعالى: ] وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [[ النساء: 140].

   وسبب هذا النهي أن الإقبال على الخائضين والقعود معهم أقل ما فيه أنه إقرار لهم على خوضهم، وإغراء بالتمادي فيه، وأكبره أنه رضاء به ومشاركة فيه، والمشاركة في الكفر والاستهزاء كفر ظاهر لا يقترفه باختياره إلا منافق مراءٍ، أو كافر مجاهر.

    كما أنه قد ينفق على من يجالسهم بعض كذبهم وافترائهم وشبههم، ولا سيما لمن كان غير راسخ القدم في علم الكتاب والسنة، فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه ويعسر دفعه(1).

   وعلى من استهدف الحق في الجهد الثقافي أن تكون غايته منه الإصلاح دون التغيير، وذلك أن استهداف الإصلاح يعني التمحيص لما هو قائم وقبول المحمود منه، ونبذ المذموم والبحث عن البديل الصالح عنه، وقد يمتد الإصلاح في بعض الأحيان إلى التغيير عند اقتضاء الحاجة ذلك.

   لأن التغيير عندما يكون غاية في ذاته فمقتضاه نبذ الموجود بكافة مكوناته الإيجابية والسلبية، والتوجه إلى البدائل المتاحة أو المقترحة والدعوة إلى الأخذ بها بمختلف مكوناتها النافعة منها والضارة.

  واستهداف التغيير هو ما نلمسه اليوم في خطاب دعاة التغريب في المجتمعات الإسلامية، حيث ينطلقون في دعوتهم للتغيير من نقد الممارسات الخاطئة؛ سواء في قضايا المرأة، أم التعليم، أم الحسبة وغيرها، ليتجهوا إلى تعميم النقد إلى كافة ما هو موجود بهدف إسقاطه وتغييره - مع ما فيه من الحق الذي لا يسوغ تجاوزه أو التخلي عنه -، وفي المقابل الترويج لبدائل مختلفة، وعادة ما تكون مستمدة من البيئة الغربية، أو وفق قيمها المناقضة – في كثير من الأحيان- لقيم الإسلام وتوجيهاته الشرعية، والمضرة بهوية المجتمع الثقافية، وٌلحمته الاجتماعية والأمنية(2)


 


(1) انظر: الشوكاني، محمد بن علي، فتح القدير(1393هـ) بيروت، دار الفكر. (2/ 429). رضا، محمد رشيد، تفسير المنار، بيروت، دار المعرفة(7/ 506،507).

(2) انظر شواهد لذلك: آل عبدالكريم، فؤاد، المرأة المسلمة بين موضات التغيير وموجات التغرير(1425هـ) الرياض، مجلة البيان.



بحث عن بحث