r   ثامنًا: العرض بالرسم:

لقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم في منهجه التربوي والدعوي آلية عرض الحقائق بالرسم أيضًا، لأن البيان في بعض الحالات يحتاج إلى مثل هذا الأسلوب لتثبيت المعلومة واستقرارها في الفكر، وهو أسلوب يشد الأذهان والحواس إلى التركيز أكثر، ومن بعض وجوه الرسم التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم ما يلي:

- عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: «خطّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًا، ثم قال: «هذه سبيل الله»، ثم خطّ خطوطًا عن يمينه وعن شماله، ثم قال: «هذه سبل»، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ .

وفي هذا الحديث بيان أن الإسلام واضح بعقيدته وتشريعه، وقد اكتمل قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾.

 فالصراط المستقيم هو هذا الإسلام الموجود في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأما الابتداع فيه وإدخال إضافات عليه إنما هو من السبل التي تحيد الأمة عن صراطها السوي مع الزمن، لذا فقد حذّر عليه الصلاة والسلام من اتباع البدع والأهواء الدخيلة على الإسلام واعتبارها جزءًا منه.

- وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: «خط النبي صلى الله عليه وسلم خطًا مربعًا وخطّ خطًا في الوسط خارجًا منه، وخطّ خططًا صغارًا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال: «هذا إنسان، وهذا أجله محيط به، وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطوط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا».

حيث يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الأجل محيط بالإنسان، سواء بوجود أسباب لمجيئه أم من غير ذلك، فالأجل قادم لا محال لأنه محيط به، فلا يغرن ابن آدم أو يفرح كثيرًا بما أوتي من نعم الدنيا وزخرفها.

- عن ابن عباس م قال: «خطّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرض أربعة خطوط، ثم قال: «أتدرون ما هذا»؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران رضي الله عنهن».

كانت تلك بعض أساليب العرض التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في التربية والدعوة إلى الله تعالى، والحاجة اليوم ماسّة إلى هذا الأسلوب التربوي الفريد من قبل المعلّمين في المدارس والجامعات، ومن قبل المختصين في التربية والنفس في مراكزهم، ومن قبل الآباء والأمهات مع الأبناء داخل الأسرة، ومن قبل الخطباء والدعاة في المساجد والميادين الدعوية الأخرى.

¡  ¡  ¡

ونستخلص مما سبق أن المربّي الحصيف بعد كونه قدوة يستخدم الأساليب المتنوعة مع المتربين والمدعوين حسب الحاجة إلى هذه الأساليب، سواء ضرب مثل، أو قصة، أو لفت انتباه باستفهام، أو إشارة، أو استخدام الأجهزة كالحاسب، أو «البروجكتر» أو الصحف، أو ما جد أو يجد من الوسائل ليصل إلى أهدافه المرجوة.



بحث عن بحث