شبه المنكرين لحجية السنة، والرد عليهم (7)


وإذن : فليس بالحتم أمام فهم العقل أن يكون المراد من الذكر هو القرآن فقط دون غيره ، بل إن تفسير الذكر بالقرآن فقط احتمال بعيد في نظر العقل ، لعدم وجود مرشح لهذا التفسير يقوى على مواجهة الأمرين السالفين الذين يقويان بالمنزلة والعرف النحوي .
وإنه لأقرب من هذا التفسير أحد الاحتمالين :
الأول : أن يكون المراد من الذكر : الرسالة والشرف الذي استحقه الرسول صلى الله عليه وسلم واتصف به بنزول النبوة والقرآن عليه ، ويقوي عندنا هذا الاحتمال أمام نظر العقل افتتاح سورة الحجر ، حيث صورت مقالات الكافرين المعتدين على النبوة بأوصاف مفتراة ، إنه مجنون ، وإنهم في حاجة إلى ملك ينزل عليهم ليصدقوا رسالته فيما تتلوه السورة من الآيات :
( وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون )[ 6 ]
( لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ) [ 7 ]
( ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين ) [ 8 ]
( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) [ 9 ]
فالآيتان ( 6 ، 7) تصوران اتهامات الكافرين الكاذبة ، والآيتان ( 8 ، 9 ) ترد على هذه الاتهامات ، وتعد بحفظ الرسالة والشرف الذي نزل على محمد الأمين صلى الله عليه وسلم .
فمحط الحديث كما هو واضح من الفحوى تكريم النبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة عناد الكافرين الجهلاء .
فيكون المراد من الذكر في الاحتمالات العقلية القريبة التي يسندها الترشيح : الرسالة ، والشرف .
والرسالة المرادة هنا هي الوصف التشريفي لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أثار حفيظة الحاسدين والحاقدين ، ودفعتهم شهوة الحقد إلى الإنقاص من حق النبوة .
وفي مقابل هذا الموقف رد عليهم الله تعالى أنه سيحفظ هذا الشرف لنبيه صلى الله عليه وسلم ولن يغيره كيد الحاسدين ، ويرشح لهذا الاحتمال قول الله تعالى
في سورة الزخرف : ( وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون ) [ 43 ] فعود الضمير في الآية ( وإنه ) على ما ذكر من قبل في نفس السورة في قوله تعالى : ( فاستمسك بالذي أوحي إليك ) دليل على أن التصريح به مراد به الشرف ، لاسيما ومن قبل ذلك قال الله تعالى : ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) .
فذكر القرآن بالنص أولا ، وذكره بالوحي ثانيا ، ووصف ذلك بأنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم ولقومه ، مما يقوي الاحتمال العقلي : أن المراد من الذكر في سورة الحجر هو : الرسالة والشرف ، وما ذلك إلا القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة .



بحث عن بحث