دليل حجية السنة من العقل والنظر

 

رابعاً : دليل حجيتها من العقل والنظر :

 العقل والنظر يقضي بأنه سنته صلى الله عليه وسلم حجة لعدة أمور :

أحدها : أن من كان معصوماً يجب تصديقه في كل ما يصدر عنه، وقد ثبتت العصمة له صلى الله عليه وسلم، لذا يجب تصديقه في كل ما يصدر عنه، والسنة مما صدر عنه.

 

ثانيها: أن صاحب أي مذهب أو حامل أي فكرة: هو أولى الناس بتفسير وشرح وتبيين كل ما يتصل بهذا المذهب أو بهذه الفكرة، لدرايته التامة به أو بها، ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو حامل القرآن – المصدر الأول في التشريع الإسلامي – كان أولى الناس بشرحه، وتفسيره وتبيينه(1) .

وقد أكد هذين الأمرين آيات من كتاب الله في غاية الوضوح والبيان، مثل قوله تعالى : " وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى "[ سورة النجم / 43].

وقوله تعالى : " وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبيين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون "[ سورة النحل /64].

وقوله تعالى : " وأنزلنا إليك الذكر لتبيين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون "[ سورة النحل /44].

 

ثالثهما: إن الاستقراء دل على أن الكتاب العزيز فرض على الناس فرائض مجملة تحتاج إلى تفسير وشرح وبيان، كأداء الصلاة، وإيتاء الزكاة، والقيام بمناسك الحج، لذلك فقد ذهب العلماء والمحققون دون اعتبار لقول من شذ من المرجفين في دين الله تعالى، العاملين على هدم كيان السنة النبوية- إلى أنه يتحتم شرعاً وعقلاً الرجوع إلى السنة لتفصيل مجمله وبيان كيفية أدائه، ومما يستعان به في تأييد ذلك ما يلي :

 

روى أن رجلاً قال لعمران بن حصين : لا تحدثونا إلا بالقرآن، فقال له عمران : إنك امرؤ أحمق: أتجد في كتاب الله الظهر أربعاً لا تجهر فيها بالقراءة ؟ - ثم عدد عليه الصلاة والزكاة، ونحو هذا – ثم قال : أتجد هذا في كتاب الله مفسراً ؟ إن كتاب الله أبهم هذا، وإن السنة تفسر ذلك "(2) .

وروى أن رجلاً قال لمطرف بن عبدالله بن الشخير : "  لا تحدثونا إلا بالقرآن، فقال له مطرف: " والله ما نريد بالقرآن بدلاً ولكن نريد من هو أعلم بالقرآن منا "(3) .

وفي هذا المعنى قال الأوزاعى : " الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب "(4) .

وقال يحيى بن أبي كثير : " السنة قاضية على الكتاب وليس الكتاب قاضيا على السنة "(5) .

ويوضح الإمام الشاطبي ما يقصده العلماء بقولهم إن السنة قاضية على الكتاب فيقول : " الجواب أن قضاء السنة على الكتاب ليس بمعنى تقدمها عليه واطراح الكتاب بل إن ذلك المعبر في السنة هو المراد في الكتاب فكأن السنة بمنزلة التفسير والشرح لمعاني أحكام الكتاب "(6) .

 


 


(1) - انظر : شفاء الصدور 1/72.

(2) - انظر : الكفاية للخطيب ص 48، وجامع بيان العلم وفضائله لابن عبدالبر ص495.

(3) - انظر : جامع بيان العلم ص 496.

(4) - انظر : جامع بيان العلم ص 496، الموافقات 4/15، إرشاد الفحول ص 33.

(5) - انظر : جامع بيان العلم ص 496، إرشاد الفحول ص 33.

(6) - الموافقات : 4/5.



بحث عن بحث