السنة المستقلة بالتشريع وآراء العلماء فيها(2)

 

 

 

ثانيا : آراء العلماء في استقلال السنة بالتشريع :

استقلال السنة بالتشريع مختلف فيه بين العلماء إلا أن الخلاف ليس في الاعتـــــــداد بالأحكام الثابتة في السنة زيادة عن الأحكام الثابتة في القرآن الكريم ، وإنما الخلاف في مخرجه وملحظه ، والطريق الذي أعطى للحكم الزائد الاعتداد به ، إذ هم جميعا متفقون على الاعتداد به ، والخلاف في الوجه الذي منه كان الاعتداد بالزائد عن الكتاب .

ولقد ذكر الإمام الشافعي ـ رضي الله عنه ـ ذلك ، وذكر أن الأقوال في مخرجه أربعة أقوال ، إذ قال ما نصه : "

والوجه الثالث : " ما سن رسول الله فيما ليس فيه نص كتاب " .

1ـ فمنهم من قال : جعل الله له ، بما افترض من طاعته ، وسبق في علمه من توفيقه لرضاه ، أن يسن فيما ليس فيه نص كتاب .

2ـ ومنهم من قال : لم يسن سنة قط إلا ولها أصل في الكتاب ، كما كانت سنته لتبين عدد الصلاة وعملها ، على أصل جملة فرض الصلاة ، وكذلك ما سن من البيوع وغيرها من الشرائع ، لأن الله تعالى قال :( وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ )[ سورة النساء /29 ] .وقال :( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)[ سورة البقرة /275] ، فما أحل وحرم ، فإنما بين فيه عن الله كما بين الصلاة .

3ـ ومنهم من قال : بل جاءته به رسالة الله ، فأثبتت سنته بفرض الله .

4 ـ ومنهم من قال : ألقى في روعه كل ما سن ، وسنته الحكمة الذي ألقى في روعه عن الله فكان ما ألقى في روعه سنته .

ثم روى الشافـــعي بإسناده عن المطـلب ، ما يفيد أن السنة مما ألقى في روع رسول الله صلى الله عليه وسلم

، قال : قال رسول الله : " إن الروح الأميــــن قد ألقى في روعى أنه لن تموت نفس حتى تستــــوفى رزقها ، فأجمــــلوا في الطلـــب "(1)  

ثم قال معقبا : فكان مما ألقى في روعه سنته ، وهي الحكمة التي ذكر الله ، وما نزل عليه كتاب فهو كتاب الله ، وكل جاءه من نعم الله ، كما أراد الله ، وكما جاءته النعم ، تجمعها النعمة ، وتتفرق بأنها أمور بعضها غير بعض ، ونسأل الله العصمة والتوفيق " (2)


(1)- إسناد الشافعي رجاله ثقات وهو مرسل ، وللحديث شواهد كثيرة ، بها يصل إلى درجة الصحة ، ومنها :

- حديث ابن مسعود : أخرجه أبو عبيد في ( غريب الحديث ) ( 1/ 298 ) ، ومن طريقه البغوى في ( شرح السنة ) ( 14 / 304 رقم 4112 ) ، والقضاعي في ( مسند شهاب ) ( 2 / 185 رقم 1151 ) ... ثنا هشيم أنبا إسماعيل بن أبي خالد عن زبيد اليامي عمن أخبره عن ابن مسعود به ، وإسناده صحيح لولا الرجل الذي لم يسم .

وأخرجه البغوي في ( شرح السنة ) ( 14 / 304 رقم 4113 ) من طريق أبي أسامة عن إسماعيل عن زبيد وعبد الملك بن عمير عن ابن مسعود به ، ورجاله ثقات ، وهو مرسل .وأخرجه أيضا ( 14 / 303 ، 404 رقم 4111 ) من طريق أبي حمزة عن إسماعيل عن رجلين أحدهما زبيد عن ابن مسعود به ، وهو كسابقه .

وأخرجه الحاكم في المستدرك ( 2 / 4 ) من طريق آخر عن ابن مسعود ، وفيه سعيد بن أبي أمية الثقفي وهو مجهول ، وبقية رجاله ثقات .

- حديث جابر بن عبد الله : أخرجه ابن ماجه في سننه ، رقم ( 2144 ) ، وابن أبي عاصم في السنة رقم ( 420 ) والحاكم في المستدرك ( 2 / 4 ) ، والقضائي في مسند الشهاب رقم ( 1152 ) ، والبيهقي في السنن الكبرى ( 5 / 265 ) من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر .

وابن جريج وأبو الزبير مدلسان ، ولم يصرحا بالتحديث .

وأخرجه أبو نعيم في الحلية ( 3 / 156 ، 157 و 7 / 158 ) من طريق حبيش بن مبشر ثناوهب بن جرير ثنا شعبة عن محمد بن المنكدر به .

وإسناده صحيح ، وقال أبو نعيم عقبة : ( غريب من حديث شعبة ، تفرد به حبيش عن وهب ) وأخرجه ابن حبان في " الصحيح "

 ( رقم 3239 ، 3241 ) ، والحاكم في المستدرك ( 2 / 4 ) ، والبيهقي في الكبرى ( 5 / 264 ) و ( الشعب ) رقم ( 10505 ) من طريق

عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن محمد بن المنكدر به ، وإسناده حسن .

- حديث أبي أمامة : أخرجه الطبراني في " الكبير " رقم ( 7694 ) ، وأبو نعيم في الحلية ( 10 / 26 ، 27 ) وفي إسناده عفير بن معدان ، وهو  ضعيف .

- حديث حذيفة : أخرجه البزار في " البحر الزخار " ( 7 / 314 ـ 315 رقم 2914 ) وأوله : هلموا إلي ، فأقبلو إليه ، فجلسوا ، قال : هذا رسول رب العالمين جبريل صلى الله عليه وسلم نفث في روعي . وقال عقبة : " وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن حذيفة إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد قلت : وفيه قدامة بن زائدة بن قدامة ، قال الهيثمي في ( المجمع ) ( 4 / 71 ) ( لم أجد من ترجمة ووافقه ابن حجر في ( مختصر زوائد البزار )

 رقم ( 874  ) .

والخلاصة : أن الحديث صحيح بشواهده ، والله أعلم .                                                                                                                                                        

(2)- الرسالة 93 ـ 103 .

 



بحث عن بحث