الموضوع الثالث:

فضل الذكر

عن أبي الدرداء رضي الله عنه  قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم :«أَلا أُنَبِّكُمْ بخَيْرِ أعْمَالكُمْ وأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيْككُمْ وَأَرْفَعهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْر لَكُمْ مِنْ إنْفاقِ الذَّهبِ وَالوَرِقِ وَخَيْر لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلقَوا عَدُوّكُمْ فَتَضْربُوا أَعْنَاقهم وَيَضْربُوا أَعْنَاقكُمْ؟ قَالُوا بَلَى. قَالَ: ذِكْرَ الله».

وعن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَان فِي الْـمِيْزَانِ سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ».

وعن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لأنْ أقولَ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحبُّ إليَّ ممَّا طلعتْ عليه الشِّمْسُ».

©  أهمية هذه الأحاديث:

ترجع أهمية هذه الأحاديث لأهمية موضوعها الذي تتحدث عنه، وهو ذكر الله سبحانه وتعالى، فكل فرد بحاجة إليه حاجة ماسة كحاجته إلى الطعام والشراب.

©  مسائل الأحاديث:

1-   الإنسان في هذه الدنيا كعامل في مزرعة يبحث عما يزرعه ويجني ثماره اليانعة عاجلًا وآجلًا، ومن أفضل ما يزرعه الإنسان في هذه الدنيا ذكر الله سبحانه، ويجعله يعيش في نعيمه جل وعلا، ولذلك أُمِر المسلم والمسلمة أن يكونا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴿41 وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب: 41 – 42].

2-   للذكر فوائد عظيمة وفضل جزيل، ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله  في كتابه القيّم: «الوابل الصيب من الكلم الطيب» أكثر من سبعين فائدة للذكر، منها:

أ – أنه من أفضل الأعمال، وأقربها إلى الله سبحانه وتعالى، ويفضل على ملاقاة العدو رغم فضائل ذلك، يوضح هذا حديث أبي الدرداء رضي الله عنه  السابق، وقال تعالى: ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [العنكبوت: 45].

ب- الراحة والطمأنينة، والأمن والسعادة، والحياة الطيبة ولولم يكن للذكر إلا هذه الفائدة لكفى به شرفًا وفضلًا، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].

ج- ذكر الله حرز من الشيطان، وأمان من الأعداء، روى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: فيما حكاه عن يحيى بن زكريا ÷ أنه قال لبني إسرائيل: «وآمرُكُمْ أنْ تَذْكُرُوا الله فإنَّ مَثَلَ ذلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ في أثرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نفسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ الله».

د- يجلب الأرزاق العاجلة والآجلة، ويمد بالذرية، قال تعالى عن نوح ÷: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴿10 يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴿11 وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 – 12].

3-   ذكر في حديث أبي هريرة رضي الله عنه : «كلمتان خفيفتان على اللسان...» الحديث. نوع من أفضل الأذكار التي ذكرها مطلقًا يكون في جميع أحوال الإنسان وظروفه، ومن فضلها: أنها سهلة على الإنسان، ويحبها الله سبحانه وتعالى.

ولذا فقد ورد بشأنها أن من قال: سُبْحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطَّتْ خطاياهُ وإنْ كانت مثل زبدِ البَحْرِ.

4-   أما الحديث الثالث فقد ذكر ذكرًا مطلقًا تظافرت بذكره الأدلة مبينة فضله وعظم شأنه، وبخاصة إذا قاله المسلم بعد الصلاة المفروضة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  للفقراء الذين جاؤوا يشتكون إليه بأنه ليس عندهم من الأموال ما يتصدقون ويتبرعون، قال لهم: «أفلا أعَلِّمُكُمْ شيئًا تُدْرِكُون بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وتسبقون به من بعدكم ولا يكونُ أحدٌ أفْضَلَ منكم إلا من صَنَعَ مثل ما صنعتم». قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «تُسَبِّحُون وتُكَبِّرُون وتحمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً».

5-   ذكر الله سبحانه وتعالى أنواع منها:

أ – الذكر باللسان، ويشمل ما سبق ذكره من التسبيح والتحميد والتكبير ومثله ما ورد من الأذكار المطلقة والمقيدة، وكذا قراءة القرآن الكريم فهي من أعظم الذكر حيث هو كلام الله تعالى المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، المتعبد بتلاوته، قال صلى الله عليه وسلم : «من قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كتاب الله فلهُ به حسنةٌ والْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا لا أقُولُ ألم حَرْفٌ وَلَكِنْ ألِفٌ حَرْفٌ ولامٌ حَرْفٌ وميمٌ حَرْفٌ».

ومن الذكر باللسان: الدعاء فهو تقرب إلى الله تعالى بطلب الحاجات الدنيوية والأخروية.

ب – ومن أنواع الذكر: الذكر بالقلب، وذكر بالتفكر في آيات الله تعالى ومخلوقاته العظيمة، قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴿190 الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴿191 رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [آل عمران: 190 – 192].

ج- ومن الذكر: عمل الطاعات والقربات المختلفة كالصلاة والصيام والحج وبر الوالدين، وتعلم العلم الشرعي النافع، وتعليمه فكل ذلك ونحوه من الذكر.

أنواع الذكر من حيث وقته:

الذكر بالنسبة للوقت يتنوع إلى أنواع:

أ – ذكر مقيد بوقت وزمن، مثل الأذكار بعد الصلوات، وفي الأسحار، وأول النهار وآخره.

ب- ذكر مقيد بمكان، مثل ذكر الله في عرفة يوم عرفة.

ج- ذكر مقيد بحال، كحال الحاج والمعتمر والصائم.

د- وذكر مطلق ليس له وقت محدد، وهذا مثل قول: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وكذا: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، التي ليس لهما وقت محدد.

نماذج للأذكار المقيدة:

أ – الذكر بعد الصلاة، وقد سبق المثال عليه.

ب- الذكر في أول النهار وآخره، مثل ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه قال: «من قالَ حين يُصْبِحُ وحين يُمْسِي سُبْحان الله وبحمده مائةَ مَرَّةٍ لم يأتِ أحدٌ يوم القيامة بِأَفْضَلَ ممَّا جاء به إلا أحدٌ قال مِثْلَ ما قالَ أوْ زادَ عليه».

ج- الذكر عند النوم: ما رواه حذيفة وأبو ذر م أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَحْيَا وأمُوتُ».

د- الذكر عند السفر، ما رواه ابن عمر م أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر كبّر ثلاثًا، ثم قال: «سُبْحَانَ الذي سَخَّر لَنَا هَذَا وما كُنَّا له مُقْرِنِينَ وإنَّا إلى ربِّنَا لَـمُنْقَلِبُونَ اللهم إنا نَسْأَلُكَ في سفرنَا هَذَا الْبِرَّ والتَّقْوَى ومن العمل ما تَرْضَى اللهمَّ هَوِّنْ علينا سفرَنَا هذا واطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ اللهم أنتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ والخليفةُ في الأهلِ اللهُمَّ إنِّي أعُوذُ بك منْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وكآبةِ الـمَنْظَرِ وسُوْءِ المنقلب في المال والأهْلِ» وإذا رجع قالهن وزاد فيهن «آيبون تَائِبُونَ عابدُونَ لربِّنَا حَامِدُونَ».

هـ - الذكر عند دخول المسجد والخروج منه: فعن أبي أسيد وأبي حميد قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا دخل أحدُكُمْ المسجدَ فليُسلِّمْ عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم  ثُمَّ لِيَقُلْ اللهم افْتَحْ لي أبوابَ رحْمَتِكَ فَإِذَا خَرَجَ فليقلْ اللهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ».

و- الذكر عند الخروج من المنزل: عن أم سلمة رضي الله عنها   قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم  إذا خرج من بيته قال: «بسم الله توكَّلْتُ على الله اللهُمَّ إنَّا نعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ أو نضِلَّ أو نَظْلِمَ أو نُظْلَمَ أَوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا».

ز- الذكر عند دخول البيت: عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِذَا وَلَجَ الرجُلُ بَيْتُهُ فليقُلْ اللهم إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الـمَوْلَجِ وخَيْرَ الـمَخْرَجِ بسم الله ولَجْنَا وَبِسْمِ الله خَرَجْنَا وعلى الله ربِّنَا توكَّلْنَا ثُمَّ لِيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ».



بحث عن بحث