الخطبة الثانية

   الحمدلله أعزنا بالإسلام، ورفعنا بأتباع هدي خير الأنام، أحمده، سبحانه، وأشكره على آلائه العظام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال، والإكرام، وأشهد أن سيدنا، ونبينا محمداً عبده، ورسوله أفضل من تعبد لله، وصلى، وزكى، وصام، وحج إلى البيت الحرام، صلى الله، وسلم، وبارك عليه، وعلى آله، وأصحابه البررة الكرام، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان، وسار على نهجهم، واقتفى أثرهم على الدوام.

   أما بعد : عباد الله! بعد أن أتينا على ذكر النوع الأول، وهو النفاق الاعتقادي، نأتي على ذكر النوع الثاني من النفاق، وهو ما يسمى بالنفاق العملي، أو النفاق الأصغر، وهو ليس بصغير بل من أعظم المنكرات، وأشد الآثام، ولكنه أصغر بالنسبة لما هو أكبر، وهو النفاق الاعتقادي، وهذا النفاق لا يخرج صاحبه من الملة، ولكنه خطير، وصاحبه ضعيف الإيمان يستحق العقوبة من الله، جل، وعلا.

أيها المسلمون!

    لقد أوضح النبي، صلى الله عليه وسلم، بعض علامات هذا النفاق، فقد روى الشيخان، عن عبدالله بن عمر، رضي الله عنهما، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: ( أربع من كنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) . وفي حديث آخر قال، عليه الصلاة والسلام: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمـن خان) وفي رواية لمسلــم: (وإن صلَّى، وصام، وزعم أنه مسلم) . جماع هذه الصفات تدل على أن شخصية حبها الظاهرة تختلف عن الباطنة، وهذا حال بعض الناس الذين يكثرون من التملق مع الآخرين، والمجاملات حتى على حساب الدين والشرع.

أيها المسلمون:

   شر النفاق عظيم، وخطره جسيم، شخصية المنافق مزدوجة، وله أوجه يتعامل بها : (مُذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يُضلل الله فلن تجد له سبيلاً) [النساء: 143] ، ويكفي أن المنافق في جهنم بل في قعرها: (إنَّ المُنافقين في الدَّرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً، إلاَّ الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يُؤتِ الله المؤمنين أجراً عظيماً) [النساء: 146، 145].

   وفي الدنيا: مضطرب الحال، قلق القلب، غير واثق من نفسه، منبوذ ممن حوله لعدم ثقته به، غير مستقر، وهو من الخاسرين.

هذا- أيها المسلمون- هو النفاق، وهؤلاء هم المنافقون، وقد كان السلف، رحمهم الله، يخافون من هذا الداء المستطير، قال ابن أبي مليكة رحمه الله: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد، صلى الله عليه وسلم، كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إن إيمانه كإيمان جبريل، وميكائيل  .

هؤلاء هم أهل القرن الأول مع فضلهم، وسبقهم،وصحبتهم لمحمد صلــى الله عليه وسلم يخافون النفاق، فما بالك بأهل القرن الخامس عشر؟ ألا فليتق الله كل مسلم ربه، جل وعلا، ويحذر من صفات المنافقين، وأفعالهم، وشبهاتهم، وحيلهم، ومكائدهم، ثم صلوا، وسلموا على من أخلص وجهه لله، خير خلق الله محمد بن عبدالله، كما أمركم الله جل وعلا في محكم التنزيل قال سبحانه: (إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً).



بحث عن بحث