(الخطبة الثانية)

الحمدلله الرحمن الرحيم أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

أيها المسلمون!

    إن من علامات السعادة للأفراد، والمجتمع أن تشيع بينهم هذه السمات العالية، والأخلاق التي قد شهد الله تعالى بها للقدوة محمد، عليه الصلاة والسلام: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) [التوبة: 128] في شيوع هذا الخلق يُرحم الوالدان، ويعطفان على الولد، وتصان العلاقة الأسرية، ويتراحم الأقارب، وتقضى الحقوق، ويُعطف على المسكين، ويكفل اليتيم، وتُمسح الدمعة، ويُطعم الجائع، ويُكسى العاري، وتتلاحم القلوب، وتُدبر الشحناء والبغضاء، ويقل الحسد والعداوات، ويضعف البطر والكبر، وتشيَّد الدور الخيرية، وتبنى المساكن للمحتاجين، ويكثر الخير والرزق، ويسود الحب والوئام بين الناس، وتبتعد الأنانية، وحب الذات، والعنف والقسوة، والوحشية والتنافر، والتنابز بالألقاب، والسخرية والاستهزاء.

أيها المسلمون!ولعظمة هذا الدين شملت رحمته الحيوان، فقد أخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، أن رجلا أو امرأة، بغيَّاًَ دخلت الجنة بسبب سقياها لكلب يلهث  ، وأخرى دخلت النار بسبب هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض  .

أيها المسلمون! أين المتبجحون في حقوق الإنسان، ليدرسوا، وليتأملوا هذه المعاني الكبيرة، ومن ثم يصفوا الإسلام بالعنف والوحشية والإرهاب؟ أي شريعة تنشر الرحمة كما ينشرها هذا الدين؟ أين رحمتهم؟ بل أين حقوق الإنسان بعد قتلهم الرجال، وتيتيمهم الأطفال، وترميلهم النساء، وهدمهم البيوت، ونهب الأموال، وإفساد الممتلكات..؟ فأين رحمتهم للشيخ الضعيف، والفقير والمسكين، والطفل الرضيع ، والأم الرؤوم..؟ إن رحمتهم انتقلت من بني الإنسان إلى بني الحيوانات من القطط والكلاب؟ لتنقلب إلى وحشية عارمة، وإرهاب منقطع النظير للإنسان، ليس إرهاباً على فرد، وإنما على مجتمعات وأمم، والأمثلة غير خافية.

أيها المسلمون! ومع ما نرى من شراسة ما يعمله أعداء الإسلام من خلوهم من الرحمة إلا أن المسلم لا يتنازل عن مبادئه من الرحمة والود والعطف، فتؤثر فيه الأحداث لتقلبه إلى حيوان مفترس، فهو على دين، ومبدأ ثابت لا يتزعزع، والله غالب على أمره.

أيها المسلمون: ليس من الرحمة تعطيل الحدود الشرعية على من يقترفها، ولا الحكم بعدم القصاص لمن استحقه، وليس من الرحمة ترك الحبل على الغارب للأطفال والأولاد، وليس من الرحمة ترك المفسد يعيث في الأرض فساداً وتخريباً، وليس من الرحمة ترك التعزير لمن استحقه، فليست الرحمة عطفاً وحناناً بدون عقل، وليست الرحمة اندفاعاً بدون عدل، وليست الرحمة مراعاة لمصلحة فرد دون مجتمع.

   هذا هو ديننا عباد الله، فعلينا التمسك به وغرسه في بيوتنا، وإشاعته في المجتمع بفهم ووعي.

وصلوا وسلموا على المصطفى الأمين، من أرسله  الله رحمة للعالمين، تسعدوا بها دنيا ودين، كما أمركم الله الرحمن الرحيم فقال سبحانه: (إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً).



بحث عن بحث