الخطبة الثانية

أيها المسلمون!

    بعد أيام قليلة يختم أبناؤنا وبناتنا عامهم الدراسي، الذين كانوا مستغلين فيه أوقاتهم وقواهم العقلية والفكرية والجسمية، ويستقبلون إجازة دراسية تكون راحة لهم بعد العناء والتعب والجهد والاجتهاد، واستعداداً لما يأتي بعده من عام، وسيحصل لهم فراغ في أوقاتهم، وهذا الفراغ لا بد وأن تنعكس آثاره على نفوسهم وتفكيرهم وسلوكهم، وحينئذ إما أن يستغلوه في خير وصلاح، فيكون ربحاً وغنيمة لهم ولأسرهم ولمجتمعهم، وإما أن يستغلوه في شر وفساد، فيكون خسارة لهم ولأسرهم ولمجتمعهم، وإما أن يمضوا أوقاتهم ويضيعوها سدى لا يعملون ولا يفيدون، يتجولون في الأسواق والمنتزهات والطرقات بأذهان خاوية، وأفكار هزيلة ينتظرون طلوع الشمس وغروبها، وإدبار الليل والنهار، وبالتالي تتجمد أفكارهم وتتبلد أذهانهم، ويصيرون عالة على والديهم ومجتمعهم وأمتهم.

أيها المسلمون!

     نتحدث عن الوقت بمناسبة أن الطلاب والطالبات بعد هذا الجهد والعناء من العام الدراسي تدور في مخيلتهم أفكار كثيرة، وآمال طموحة، وبرامج متعددة، وأسئلة متوالية، فيم يقضون به هذا الوقت الطويل إذا ما قيس بغيره من الأوقات؟ هل يجعلونه للنوم والاسترخاء، أو للكسل والراحة، أو للسفر والسياحة؟ أو يستغل بعمل وكسب حرفة وصناعة، أو يتزودون فيه من علم نافع وقراءة مفيدة وتنمية موهبة واستغلال الملكة والقدرة؟

   إن الله سبحانه وتعالى هيّأ لنا في هذه البلاد المباركة ما نوجه إليه فلذات أكبادنا في هذه الإجازة، فالمراكز المهنية مثلاً من أنفع ما يستفيد فيها الابن، يتعلم صنعة ويكتسب مهنة، وأنعم بها من مكسب، وهي متوفرة وموجودة.

  وناهيك أيها الولي والأب باستغلال هذه الإجازة بتحفيظ أولادك كتاب الله عز وجل، وقراءته وتدبيره، (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)  وإنه والله من أعظم ما تكسبه ومن أعظم ما يحصله في الدنيا والآخرة، فبكل حرف عشر حسنات، والحسنة بعشر أمثالها، فالحرصَ الحرصَ على ذلك، فمدارس تحفيظ القرآن الكريم صباحاً ومساءً موجودة للطلاب والطالبات، وإنه والله ربح عظيم أن يحفظ الابن أو البنت جزءاً أو أكثر من القرآن في هذه الإجازة.

   ومن أنفع ما يقضى به الوقت: المراكز والمؤسسات النافعة التي يقوم عليها نخبة من المربين والموجهين، يكسب فيها الابن جليساً صالحاً وتوجيهاً نافعاً، وقراءة مفيدة وسلوكاً طيباً، وعملاً صالحاً.

   ومن خير ما يقضى به وقت الإجازة مشاركة الابن لأبيه في عمله وتجارته أو زراعته ليتعلم المسؤولية، ويتربى على العمل، ويكتسب الرجولة والجلد والقوة.

   ومن المفيد للبنت مشاركتها لأمها في أعمالها المنزلية المختلفة، وعدم الاتكال على الخادمة والمربية، فتخرج البنت من بيت أبيها إلى بيت زوجها وهي جاهلة بالأمور الأساسية التي كان عليها تعلمها اعتماداً على أمها وخادمتها، ومن الخير كل الخير أن تخرج وهي متعلمة أمراً مفيداً وصنعة مناسبة لها كالخياطة والحياكة ونحوها.

أيها المسلمون! أيها الآباء والأولياء! حافظـوا على فلــذات أكبادكم في هذه الإجازة وغيرها، حافظوا على جواهركم المصونة ولآلئكــم الطاهرة، ولا تنافسوا وراء الدعايات المضللة لأجل أن تنجسها الأيدي المتسخة أو تفسد أفكارها، ولا تخدش عفتها أظفار المفترسين والمفترسات، انتبهوا لتلك الأفكار الدخيلة، والدعاوى المنحرفة والشعارات الزائفة ( يا أيُّها الذين آمنوا قُوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقُودها النَّاس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمرون) [التحريم: 6).

   وصلوا وسلموا على خير خلق الله، محمد بن عبد الله، كما أمر الله في محكم كتابه العزيز حيث قال: (إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً). والحمد لله رب العالمين.



بحث عن بحث