الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين الموحدين، أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين أو من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

   أيها المسلمون.. إن معظم الشرور والنكبات التي أصابت أمة الإسلام، وأشد البلايا التي حلت بها كان السبب الرئيس فيها ضعف التوحيد في النفوس، وما تسلط من الأعداء، وأغار من أغار على حياض المسلمين ، واستأصل شأفتهم، واستباح حرمتهم إلا بسبب ضعف التوحيد، وما حرمت أمة نعمة من ربها إلا بسبب خلل في التوحيد: ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) [الشورى: 30].

أيها المسلمون!

   لقد قصر فِئام من الناس بالتوحيد، فصادموا المنقول، وخالفوا صحيح العقول، يتهافتون على الغفلة تهافت الفراش على النبراس، حتى جاهر بعضهم بالمعصية، فأدت إلى بعدهم عن الله، ووقوعهم في الشبهات.

   ولقد ابتلي كثير من الناس بالجهل بالتوحيد، فانحازوا إلى أصحاب القبور، والتجؤوا إليهم، وتضرعوا أمام أعتابهم، فقبلوها، وتمسحوا بها، حتى استغاثوا بأهلها في الشدائد والكروب، بل طافوا بها كما يطاف بالكعبة المعظمة، وأوقفوا الأموال الطائلة على تلك الأضرحة.

   ولقد قصر آخرون مع التوحيد، فتقاذفتهم الأهواء، واستولت عليهم الفتن والأهواء، فمن مفتون بالتمائم والحروز، يعلقها عليه وعلى عياله بدعوى أنها تدفع الشر، وتذهب العين، وتجلب الخير، والله تعالى يقول: ( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو، وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير) [الأنعام: 17].

  وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً في يده حلقة من صُفْر، فقال: "ما

هذا؟ قال: من الواهنة، فقال: انزعها، فإنها لا تزيدك إلا وهناً، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً" رواه أحمد بإسناد حسن ، وهناك فئام أخرى أخلت بالتوحيد، فافتتنت بالمشعوذين والدجالين الكذابين، الذين يأكلون أموال الناس بالباطل بدعوى أنهم يكاشفونهم بأمور الغيب، فيما يسمى بمجالس تحضير الأرواح، أو قراءة الكف والفنجان، وكل ذلك دجل وخرافة، فالله تعالى يقول: ( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون) [النمل: 65].

   والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)

   وإن من الناس من يخل بالتوحيد إخلالاً قوياً، كمن هو مفتون يلهث خلف من يقرأ الأبراج الذين يدعون أن السعادة كامنة في برج أصحاب الجدي، والغنى مستقر في أصحاب برج العقرب، والتعاسة وخيبة الأمل بمن يولد في برج الجوزاء إلى غير ذلك من سيل الأوهام والخزعبلات المفتنة التي لا تزيد العبد إلا وهناً ورعونة وخوفاً.

فاتقوا الله، عباد الله! واحذروا من كل ما ينافي التوحيد، ويخل به، أو يجرحه أو يثلمه؛ حتى لا تقعوا فريسة للأوهام في الدنيا، وحتى لا يجدوا في الآخرة ما هو أشد وأنكى، فإن حققتم التوحيد، فأبشروا وأملوا، أبشروا بالسعادة والراحة في الدنيا، والأمان والنجاة في الآخرة. جعلني الله وإياكم من أهل لا إله إلا الله، الذين لا خوف عليهم، ولا هم يحزنون.

   وصلوا وسلموا على رسولنا الكريم، ذي القدر العظيم، كما أمركم الله تعالى في محكم التنزيل فقال جل من قائل: (إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً).



بحث عن بحث