الخطبة الثانية

    الحمد لله حمداً يليق بجلاله وعظمته، أحمده سبحانه وأشكره على عظيم نعمه ومنته وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه السائرين على سنته. أما بعد :

  وتأتي المحنة الثانية في طريق يوسف عليه السلام، وهي أشد وأعمق من المحنة الأولى عندما ألقي في الجب، وتجيئه هذه المحنة، وقد أوتي صحة الحكم، وأوتي العلم، ليواجهها وينجو منها جزاء إحسانه الذي سجله الله له في قرآنه، وذلك عندما تعرض يوسف عليه السلام لفتنة النساء العظيمة، وهو في بيت الوزير، وفي ظل النعيم، تعرض يوسف لمواجهة المراودة الصريحة المكشوفة، وذلك لما مَنَّ الله تعالى على يوسف من جمال الخَلق والخُلق، فقد أوتي عليه السلام شطر الحسن، وذلك أن امرأة العزيز رأت بعين الأنثى جمال يوسف الظاهر، فخفق قلبها، واشتعلت مشاعرها، فانتهزت فرصة وجوده في بيتها يوماً، وأخذت تغريه بنفسها، بعد أن أغلقت الأبواب، وقالت له: أقبل علي، فقد هيّأت لك نفسي، إنها محنة عظيمة وأي عظيمة أن يقع يوسف في شراك الشيطان والإغواء؟ ولكن انتصر يوسف عليه السلام، وصبر في هذا البلاء العظيم الذي لا يقف في وجهه إلا القلائل الأبطال، وامتنع عن المعصية، وينجح يوسف في الابتلاء بالنعمة كما نجح من قبل في الابتـلاء بالشدة، فلقد صرف الله عن يوسف سوء الزنا والخيانة، قال تعالى: ( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلَّقتِ الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنَّه ربّي أحسن مثواي إنَّه لا يفلح الظالمون* ولقد همَّت به وهمَّ بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السُّوء والفحشاء إنَّه من عبادنا المخلصين* واستبقا الباب وقدَّت قميصه من دُبُرٍ وألفيا سيّدها لدا الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلاَّ أن يُسجن أو عذابٌ أليم*قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهدٌ من أهلها إن كان قميصه قُدَّ من قُبُلٍ فصدقت وهو من الكاذبين* وإن كان قميصه قُدَّ من دُبُرٍ فكذبت وهو من الصادقين* فلمَّا رأى قميصه قُدَّ من دُبُرٍ قال إنَّه من كيدكُنَّ إنَّ كيدكُنَّ عظيم* يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنَّكِ كنتِ من الخاطئين). (يوسف: 23-29).

أيها المسلمون!نستكمل التعليق على هذا المشهد المثير في خطبة قادمة، وصلوا وسلموا على رسول الله كما أمركم الله في كتابه الكريم بقوله: (إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي.........).



بحث عن بحث