مقدمة حديث: بول الأعرابي في المسجد

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد ....

فإن النبي ﷺ بعث رحمةً للعالمين، بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فأخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهدى، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق العادات والتقاليد إلى سعة الإسلام، كما أحل لهم الطيبات، وحرم عليهم الخبائث، ووضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [سورة الأعراف:157].

ففتح الله به قلوباً غلفاً وأعيناً عمياً وآذاناً صماً، فكان النبي ﷺ رءوفاً رحيماً بالأمة، قال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [سورة التوبة: 128].

 

وفي هذه الرسالة الموجزة قد اخترنا أنموذجًا عاليًا من نماذجه العطرة التي تمثلت فيها هذا الخلق العظيم، وهو شرح حديث الأعرابي الذي جاء إلى المسجد فصلى ركعتين، وفي آخر القصة ذهب إلى ناحية المسجد وبال فيه، فزجره الناس، ولكن النبي ﷺ اختار أسلوبًا حكيمًا لإصلاحه حيث نهى الصحابة من زجره ثم لما فرغ الأعرابي من بوله أمر أحد الصحابة بأن يأتي بدلوٍ من ماء ويصب على بوله، ثم دعا الأعرابي فقال له: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن«

فنرى كيف عالج النبي ﷺ هذه القضية برفقٍ وحكمةٍ، وبأسلوبٍ هادئٍ، لأنه كان يعرف طبيعة البشر، وطرق علاجه، مما يستنبط منه بعض أساليب الدعوة، وقواعدها الهامة التي لا يستغني عنها طالب علم أو داعية أو مربي.

وقد توخينا في هذا البيان محاولة التوسط بين الإيجاز والإطناب، مع المنهج الذي اتبعناه في السلسلة نفسها، سائلين المولى عز وجل أن ينفعنا بما علمنا ويعلمنا ما ينفعنا، وأن يجعل هذا العمل من المدخرات، وأن يعفو عن الزلل والتقصير، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



بحث عن بحث