عوائق وعقبات في طريق الدعوة

 

اقتضت سنة الله تعالى في هذه الدعوة ألا يكون طريقها سهلاً وميسورًا، بل مليء بالعقبات والعوائق الداخلية عند الداعية نفسه، أو من خارجه، وكل هذه العوائق تندرج تحت سنة الابتلاء، لذا أذكر ما يتعلق بهذه السنة مشيرًا بعدها إلى بعض العقبات.

      أولاً: الابتلاء سنة دعوية:

إن الدعوة إلى الله تعترض في سبيلها العوائق والعقبات والابتلاءات، وهذا من سنة الله في الأرض، قال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّـهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّـهِ قَرِيبٌ﴾ [سورة البقرة: 214]. وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّـهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ [سورة الأنعام: 34]. وكما قال ورقة بن نوفل للنبي صلى الله عليه وسلم حينما ذهبت به زوجته خديجة رضي الله عنها إليه في قصة بدء الوحي، كما جاء في الحديث: فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ ابْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى, وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخِي أَبِيهَا, وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ, وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ وَيَكْتُبُ مِن الْإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ الله أَنْ يَكْتُبَ, وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ, فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: أَيْ عَمِّ اسْمَعْ مِن ابْنِ أَخِيكَ؟ قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم خَبَرَ مَا رَآهُ, فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم, يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا! يَا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا! حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟ قَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ؛ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ. وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا(1)

 

*     *     *

فالابتلاء سنة دعوية، سواء كان بالسب والشتم والضرب والافتراء واللمز والهمز من الآخرين أو غيرها كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ﴿٢٩﴾ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ﴿٣٠﴾ وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ ﴿٣١﴾ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَـٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ ﴿٣٢﴾ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ ﴿٣٣﴾ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴿٣٤﴾عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ﴿٣٥﴾ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [سورة المطففين:29-36]

 

كما يكون ذلك الابتلاء متنوعًا قال تعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [سورة آل عمران: 186]

وهذه الابتلاءات ليست خاصة بهذه الأمة، بل جميع الأنبياء والرسل ابتلوا بأقوامهم، فمنهم من أوذي، ومنهم من أخرج من بلده، ومنهم من قتل, كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [سورة آل عمران: 21], والأمة اليهودية أخبث الأمم حيث قتلوا كثيرًا من الأنبياء، مثل زكريا ويحيى عليهما السلام، يقول الطبري في تفسير الآية: «وأما قوله: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾ فإنه يعني بذلك أنهم كانوا يقتلون رسلَ الله الذين كانوا يُرسَلون إليهم بالنهي عما يأتون من معاصي الله، وركوب ما كانوا يركبونه من الأمور التي قد تقدم الله إليهم في كتبهم من الزجر عنها, نحو زكريا وابنه يحيى وما أشبههما من أنبياء الله(2). وجاء في رواية أبي عبيدة أنه قال: قلت :يا رسول الله ! أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة؟ قال: رجل قتل نبيًا, أو رجل أمر بالمنكر ونهى عن المعروف. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ. إلى أن انتهى إلى: ﴿وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ.

 

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً من أول النهار، في ساعة واحدة، فقام مائة رجل واثنا عشر رجلاً من عباد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف، ونهوهم عن المنكر، فقتلوا جميعًا من آخر النهار في ذلك اليوم، وهم الذين ذكر الله عزوجل»(3). ولهذا طبع الله على قلوبهم،كما قال تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّـهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّـهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [سورة النساء: 155-156]. يقول الطبري: يعني بفريتهم عليها، ورميهم إياها بالزنا, وهو البهتان العظيم، لأنهم رموها بذلك، وهي مما رموها به بغير ثبتٍ ولا برهانٍ بريئةٌ, فبهتوها بالباطل من القول(4)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، باب بدء الوحي، برقم: (4)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ، برقم: (231).

(2) تفسير الطبري، 5/289.

(3) تفسير الطبري، 5/291. وقال المحقق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي: أخرجه البزار في مسنده(1285) وابن أبي حاتم في تفسيره، 2/620(3332), والبغوي في تفسيره 2/20-21, من طريق محمد بن حمير به.

(4) تفسير الطبري، 7/649.



بحث عن بحث