رمضان شهر القرآن (1-7)

القرآن بصائر وهدى لجميع الناس :

فالقرآن العظيم بصائر لجميع الناس، وهدى وشفاء ورحمة بمعنى عام وبمعنى خاص.

ولهذا يذكر الله في القرآن هذا وهذا.

فهو هدى للعالمين، وهدى للمتقين .. وشفاء للعالمين، وشفاء للمؤمنين .. وموعظة للعالمين، وموعظة للمتقين.

فهو في نفسه هدى ورحمة، وشفاء وموعظة.

فمن اهتدى به واتعظ واشتفى كان بمنزلة من استعمل الدواء الذي يحصل به الشفاء، فهو دواء له بالفعل.

وإن لم يستعمله فهو دواء له بالقوة.

وكذلك الهدى، فالقرآن هدى بالفعل لمن اهتدى به، وبالقوة لمن لم يهتدِ به، وإنما يهتدي به ويُرحم المتقون الموقنون، فهو هدى لأن من شأنه أن يهدي كما قال سبحانه: ( هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ) [آل عمران: 138].

فالله عزَّ وجلَّ هو الهادي، وكتابه هو الهدى الذي: ( يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [المائدة: 16].

ويهدي به على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحق وإلى طريق مستقيم.

فالقرآن الكريم هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة.

وما كل أحد يوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، لم يقاومه الداء أبداً.

وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء، الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها كما قال سبحانه: ( وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) [الرعد: 31].

فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وشفائه، وسببه، والحمية منه لمن رزقه الله فهماً في كتابه.

كيف يتم الاستشفاء بالقرآن:

أما عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة، فسببه أنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول، واعتقاد الشفاء به، وكمال التلقي له بالإيمان والإذعان.

فهذا القرآن الذي هو شفاء لما في الصدور، إن لم يتلَقَّ هذا التلقي لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائها.

بل لا يزيد المنافقين إلا رجساً إلى رجسهم، ومرضاً إلى مرضهم كما قال سبحانه: ( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ) [التوبة: 124، 125].

فطب النبوة لا يناسب إلا الأبدان الطيبة، كما أن شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطيبة.

وإعراض الناس عن طب النبوة كإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن، الذي هو الشفاء النافع.

وليس ذلك لقصور في الدواء، ولكن لخبث الطبيعة، وفساد المحل، وعدم قبوله.

قال الله تعالى: ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ) [الإسراء: 82].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( مَا أَنْزَلَ الله دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً ) (1)

وهذا يعم أدواء القلب والروح والبدن وأدويتها.

ولم ينزل الله سبحانه من السماء شفاء قط أعم ولا أنفع ولا أعظم ولا أنجع في إزالة الأدواء من القرآن الكريم.

______________

(1) أخرجه البخاري ( 5678 ).



بحث عن بحث