القاعدة الثالثة عشرة: مخاطبة الفطرة (2-2)

ثالثًا: تقدير ظروف الناس:

حين يخاطب الهدي النبوي الناس، ويبيّن لهم الحلال والحرام، وما يجب وما لا يجب، فإنه يضع في الحسبان ما يعتري الإنسان من هموم وغموم، والتي تنسيه أحيانًا بعض واجباته ومسؤولياته نحو نفسه وأهله ومجتمعه.

يقول عبدالله بن عمرو بن العاص سمعت رسول الله ﷺ، وأتاه رجل يوم النحر، وهو واقف عند الجمرة، فقال يا رسول الله إني حلقت قبل أن أرمي فقال «ارم ولا حرج وأتاه آخر فقال إني ذبحت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج وأتاه آخر فقال إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج قال فما رأيته سئل يومئذ عن شيء إلا قال افعلوا ولا حرج»(1).

وصدق الله القائل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}(2).

حَريصٌ على أن يَستقِيموا ويَهْتَدوا *** إلى كَنَفٍ يَحْنو عليهم وَيَمْهِدُ

عزيزٌ عليْهِ أنْ يَحِيدُوا عن الهُدَى *** عطوفٌ عليهمْ، لا يثني جناحهُ

 

رابعًا: الحث على الفضيلة وذمّ الرذيلة:

ومن حق الفطرة الإنسانية السليمة الحث على القيم والأخلاق التي تحافظ على سلامتها، وتعين على توازنها واستقامتها، مثل التحلي بالحياء، والالتزام بالآداب العامة، وحب الخير والهداية للناس جميعًا، وحب العدل والمساواة، وفي الجانب الآخر ذمّ الفواحش بأشكالها المختلفة، مثل الزنا والقذف والسفور والسباب، وكذلك ذمّ الشرّ والظلم وتجاوز الحدود والآداب.

وكانت جميع هذه المطالب والأوامر من الحثّ والذمّ في مجال الفضائل والقيم من المبادئ الأساسية التي جاء بها الهدي النبوي، حيث كان عليه الصلاة والسلام يترجم ذلك واقعًا على الأرض، ويعلّمها الصحابة من حوله والأمة من بعده.

عن أبي أمامة قال إن فتى شابا أتى النبي ﷺ فقال«يا رسول الله ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه، قالوا: مه مه فقال: ادنه فدنا منه قريبًا قال: فجلس. قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهّر قلبه وحصّن فرجه. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء»(3).

يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: «لم يكن النبي ﷺ سبابا ولا فحاشا ولا لعانا كان يقول لأحدنا عند المعتبة ما له ترب جبينه»(4).

ويلحق بهذه الفضائل ما ذكره النبي ﷺ بقوله: «الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط»(5).

ومن حق الفطرة أيضًا: حق الكبير في التوقير، وحق الصغير في الرحمة، لقوله ﷺ: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا»(6)، وكذلك حاجة الغلام والجارية إلى اللعب واللهو.

    

وبناء على ذلك: أنه يتوجب مراعاة حقوق الفطرة في جانب المتربي والتنبه إلى ما يعارضها لئلا يحدث التناقض في العملية التربوية، ولأجل أن تؤدي أغراضها، وتوصل إلى الأهداف المرجوة منها، وهذا يستوجب أن تُبنى البرامج التربوية المختلفة على ما يوافق هذه الفطرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرجه البخاري (1: 87 رقم 83)

(2) [التوبة: 128]

(3) أخرجه أحمد (5: 256 رقم 22265)

(4) أخرجه البخاري (5: 2243 رقم 5684)

(5) أخرجه البخاري (5: 2209 ، رقم 5550)

(6) أخرجه الترمذي (4: 322 ، رقم 1920)



بحث عن بحث