القاعدة الثامنة: إعطاء كل ذي حق حقه (1-2)

مدخـل:

من معالم الهدي النبوي في التربية الإيمانية هو إعطاء كل ذي حق حقه، سواء طفلاً صغيرًا، أو شابًا يافعًا، أو شيخًا مسنًّا، أو امرأة أو عجوزًا، أو صديقًا أو عدوًا، فلم يهمل عليه الصلاة والسلام حق أحد من هذه الأصناف وغيرها، بل إنه ﷺ تعامل مع الجميع من منطلق واحد وهو هدايتهم وإيصال رسالة الإيمان إليهم، وإن تخلل ذلك بعض الشؤون الدنيوية والرغبات البشرية التي تعترض لكل البشر.

ولذا، فمن الخير أن يتعرف المربي على مختلف الحقوق الواجبة عليه ليؤديها ويربي عليها من تحت يده(1).

وفيما يلي بعض النماذج لهذه القاعدة المهمة في التربية من هدي النبي ﷺ:

أولاً: مخاطبة الصغير:

لم يكن اهتمام النبي ﷺ للصغار منحصرًا في العطف والحنان فحسب، بل إنه كان يقدّر مرحلة الطفولة وكان يراعيها، ويعطي الصغار مكانتهم بين الناس، في التكلم إليهم والسؤال عنهم ومشاركتهم في كثير مما يخصهم، لأن ذلك يولد مزيدًا من الثقة في نفوس الأطفال، إضافة إلى ما ينتج عن ذلك من حبّ للمربي واحترام له، وتقبل ما يقوله بصورة أسرع.

فقد خاطب عليه الصلاة والسلام بعض الصغار بما يليق بهم ويزيد من قدرهم، لأنهم رجال في المستقبل، يقول ﷺ لأحد الصغار وهو يأكل الطعام: «يا غلام سمّ الله وكُل بيمينك وكُل مما يليك» حتى يقول هذا الصحابي رضي الله عنه: فما زالت تلك طعمتي بعد(2).

وعن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي ﷺ أحسن الناس خُلقًا وكان لي أخ يقال له أبو عمير قال أحسبه فطيمًا وكان إذا جاء قال: «يا أبا عمير ما فعل النُّغَيْرُ نُغَرٌ كان يلعب به فربما حضر الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيُكنس ويُنضح ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا»(3).

 

ثانيًا: مخاطبة الكبير:

وكذلك، فإن النبي ﷺ كان يخاطب الكبار على مستوى كبير من تقديرهم وإعطائهم حقهم فيما يخصهم من كبر في السنّ أو مكانة اجتماعية، أو غير ذلك. فكان يخاطب عمّه العباس رضي الله عنه بأسلوب فيه الحب والاحترام والوقار، فيقول: «يا عباس! يا عمّ رسول الله، سل الله العافية في الدنيا والآخرة»(4).

كما أنه ﷺ حث على احترام الكبير وتقديره وتوقيره، فقال: «إن من إجلال الله إكرام الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط»(5).

 

ثالثًا: مخاطبة الصاحب والصديق:

كما أنه عليه الصلاة والسلام يعطي للصحبة حقها، فلم يكن معزولاً عن أصحابه، ولم يتكبر عليهم أو يقلّ من شأنهم، بل كان يخاطبهم ويتعامل معهم على أنهم أقرب الناس إليه، وأحبهم إلى قلبه، روى أبو بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله ﷺ: «علّمني دعاء أدعو به في صلاتي». قال: «قل اللهم إني ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم»(6).

وكان يقول لمعاذ رضي الله عنه: «يا معاذ والله إني لأحبك والله إني لأحبك فقال أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»(7).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تجد هذه الحقوق مفصلة في كتابي: دروس في الحقوق الواجبة على المسلم.

(2) أخرجه البخاري(13: 428 رقم 5376)

(3) أخرجه البخاري(5: 2291 رقم 5850)

(4) أخرجه الترمذي (5: 534 ، رقم 3514)

(5) سبق تخريجه.

(6) أخرجه البخاري (1: 286 ، رقم 799)

(7) أخرجه: أبو داود (2: 86 ، رقم 1522)



بحث عن بحث