فضل برّ الوالدين

إن بر الوالدين من الواجبات الشرعية الكبرى التي ينبغي القيام بها، حيث أعدّ الله تعالى للبارّين بالوالدين الجزاء الأوفى في الدنيا والآخرة، كما أعدّ للعاقّين بهما خلاف ذلك من العقاب في الآخرة والعقوبة العاجلة في الدنيا.

ويمكن بيان فضل برّ الوالدين من خلال المعالم الآتية:

1-قرن الله تعالى برّ الوالدين بتوحيده وعبادته وحده، كما في قوله تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}(1). وقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}(2)، وقوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}(3)، وقوله تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}(4).

 2- أمر الله تعالى الإنسان ووصّاه أن يقوم بواجب البر نحو أبويه على أفضل صورة، مع تذكيره ببعض الآلام التي تحملته الأم شهور الحمل، وهي ضعف على ضعف، حتى يتعرف هذا الإنسان على حقيقة ما كابدته هذه الأم وأن رحلة المشقة بدأت معها منذ ظهور هذا الجنين في رحمها، فيقول تبارك وتعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}(5).

3- يتبيّن فضل برّ الوالدين أيضًا حين قدّمه الرسول ﷺ على الجهاد والهجرة، فعن عن عبدالله بن عمرو قال: «قال رجل للنبي ﷺ: أجاهد؟ قال: ألك أبوان قال نعم، قال: ففيهما فجاهد«(6).

وفي حديث آخر أقبل رجل إلى النبي ﷺ فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله تعالى، قال: فهل لك من والدَيك أحد حيّ؟ قال: نعم بل كلاهما. قال: فتبتغي الأجر من الله تعالى؟ قال: نعم. قال: فارجع إلى والدَيك فأحسن صحبتهما(7).

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي ﷺ: أي العمل أحب إلى الله عزّ وجل؟ قال: الصلاة على وقتها، قال ثم أي؟ قال: ثم برّ الوالدين. قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله(8).

4- قدّم عليه الصلاة والسلام في موضع آخر برّ الوالدين على التطوع بالصلاة كما ورد في حديث جريج، حيث كان في الصلاة فنادته أمه فلم يجبها لكونه في الصلاة فدعت عليه أمه فحصلت له البلية باتهامه بالزنا(9).

5- لأهمية هذا الواجب نحو الوالدين وعظم شأنه أمر الله تعالى عباد بحسن صحبتهما وإن كانا كافرين، بحيث لا يكون في معصية أو ارتكاب إثم، يقول تبارك وتعالى:{وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(10).

6-كما يظهر فضل برّ الوالدين من خلال فضلهما على الأبناء في المراحل العمرية المختلفة، من إحسان ورحمة وحنان، وسهر ورعاية واهتمام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [الإسراء: 23]

(2) [البقرة: 83]

(3) [النساء: 36]

(4) [الإسراء: 23]

(5) [ لقمان: 14]

(6) أخرجه البخاري (ص1045-1046، رقم 5972) كتاب الجهاد، باب الجهاد بإذن الوالدين. ومسلم (ص1117، رقم 2549) كتاب البر والصلة، باب بر الوالدين.

(7) أخرجه مسلم (ص1118، رقم 6507) كتاب البر والصلة، باب بر الوالدين.

(8) سبق تخريجه.

(9) أخرجه البخاري (ص401، رقم 2482) كتاب الشركة، باب إذا هدم حائطًا فليَبْنِ مثله. ومسلم (ص1118، رقم 2550) كتاب البر والصلة، باب تقديم بر الوالدين على التطوع.

(10) [لقمان: 15]



بحث عن بحث