عبودية السرّاء

هي ما يقوم به العبد من أقوال وأفعال إزاء ما أنعم الله عليه من أنواع النعم والمسرات على نفسه وأهله وماله وأمته.

أنواع السرّاء:

لا يمكن حصر أنواع السرّاء لأن جميع نعم الله تعالى التي يتمتع بها الإنسان في الحياة هي من السرّاء، وصدق الله القائل: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}(1).

لذا يمكن الإشارة إلى بعض النعم التي تدخل في دائرة السرّاء، ومن أهمها:

1- الهداية إلى دين الله تعالى:

الهداية من أكبر نعم الله تعالى على المؤمن، ومن أعظم أنواع السرّاء التي يسعد بها في الحياة، وينال رضى الله وجناته يوم القيامة، فالهداية إلى الإسلام تعني التصور الصحيح عن الحياة والكون والإنسان، وبالتالي توحيد الله تعالى وإفراده بالعبودية ونبذ ما دونه من الآلهة والأنداد، يقول الله تعالى: {ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}(2).

فالله تعالى هو الذي يمنح الهداية لعباده المخلصين ويهيأ لهم أسبابها، كما أنه جل وعلا يختم على قلوب المفسدين ويضلهم ضلالاً بعيدًا، يقول جل ثناؤه{فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}(3).

2- الأمــن:

إن توفر الأمن والاستقرار في النفس والمجتمع لون من ألوان السرّاء، فهو نعمة عظيمة وفضل كبير من الله تعالى يمنحه لبعض عباده ويحرم الآخرين منه، والأمن هو الاطمئنان على النفس والدين والأموال والأولاد وجميع المصالح والممتلكات وعدم الخوف عليها من المخاطر والمهلكات، والأمن يجعل الإنسان أكثر حركة وإنتاجًا في الحياة، ومن دون الأمن لا يمكن أن يقوم الإنسان بواجباته كاملة، لأن الخوف يمنعه من السعي في الأرض والعمل بحرية.

ولأهمية هذه النعمة وأثرها على حياة الإنسان جاءت دعوة نبينا إبراهيم عليه السلام بتأمين الأمن والسلامة على البلد الحرام، فقال: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ}(4). حيث قدّم عليه الصلاة والسلام في دعائه توفير الأمن على توحيد الله تعالى، لأنه لا يمكن القيام بأداء العبادات والفروض بالشكل المطلوب مع فقدان الأمن والاستقرار.

وهذا يعني أن الأمن نعمة تحقق السعادة والحبور للإنسان، والخوف مصيبة وابتلاء يفقد معه الإنسان حرية العمل والإنتاج والإبداع، يقول تبارك وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}(5).

3-الصحة والعافية:

إن من النعم العظيمة التي منّ الله تعالى بها على عباده نعمة الصحة والعافية في النفس والبدن، والتي يغفل عنها كثير من الناس، ولا يشعرون قيمتها ومكانتها إلا حين تنتزع منهم، أو حين تتعرض أجسامهم وحواسهم للضعف والوهن، وقد قيل في المثل: الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرضى.

ولا شك أن نعمة الصحة سبب رئيس لأداء العبادات والقيام بالأعمال المنوطة بالإنسان من الإنتاج والإبداع والسعي من أجل الرزق، وطلب العلم والجهاد وغير ذلك من الأعمال الصالحة التي تدخل في مفهوم العبادة: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(6) كما أن هذه النعمة تعين على الاستمتاع بالطيبات والملذات التي أباحها الله لعباده، من الطعام والشراب والزواج والنوم وغيرها.

وقد أشار عليه الصلاة والسلام إلى أهمية هذه النعمة وضرورة استغلال وجودها في العمل الصالحة والنافعة، في الوقت الذي حذّر من الإغفال عنها والإفراط فيها، فقال: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ«(7).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [النحل: 18]

(2) [الأنعام: 88]

(3) [الأنعام: 125]

(4) [إبراهيم: 35]

(5) [البقرة: 155]

(6) [الذاريات: 56]

(7) أخرجه البخاري (ص1113، رقم 6412) كتاب الرقاق، باب ما جاء في الرقاق.



بحث عن بحث