آثار الصبر على النفس والسلوك

وللصبر آثار كثيرة على الإنسان في نفسه وسلوكه وأخلاقه، كما أن له مكاسب أخروية كتطهيره من أدران الذنوب وحصول النعيم عند الله تعالى والقرب منه يوم القيامة، ومن أهم هذه الآثار ما يلي:

1- إذا أحلّت بالعبد شدة وضائقة وتلقاها بالصبر وعدم الجزع توجهت نفسه إلى ربها ملتجئة إليه لائذة به وعائذة، تطلب منه العون والمدد فيزداد قربًا من الله عزّ وجل. فيحس العبد بضعفه وقلة حيلته، ويستشعر عبوديته لربه جلّ وعلا مستشعرًا قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(1)، فينال راحة نفسية وثباتًا مع الرضى بما أصابه، ولا يحدث حوله قلقًا وجزعًا ربما آذى غيره ممن لهم صلة به، ويكون قدوة لغيره في مواجهة الشدائد فيصلح حال مجتمعه، لأن كثيرًا من الشرور التي تصيب المجتمع يأتي من جهة الساخطين على ما يصيبهم من شدة وبأس حيث تمتلئ نفوسهم حقدًا وحسدًا على كل ما يحيط  بهم.

وهنا همسة في أذن كل مبتلى لأجل ألا يتحول بلاؤه مضاعفًا فيصبح مرضًا نفسيًا مزمنًا، فليعي ما قلنا سابقًا في معاملته نفسه بالصبر حتى يسدّ الباب على الشيطان فلا يلج إلى إليها  {فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}(2).

2-إن الصبر على الابتلاء يكشف حقيقة النفوس الصادقة من الكاذبة، يقول الله تعالى: {الم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}(3).

وقال رسول الله صلى الله عليه: «ومن يصبر يُصبره الله، وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر«(4).

3- سهولة مقاومة العقبات، وتخطي الصعاب التي تعترض مسيرة المؤمن في الحياة، لا سيما العقبات التي تقف في طريقه الدعوي فإنها ذات وطأة قوية وشديدة على نفس المؤمن، ومن أجل ذلك كان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمْرٌ أو خطْبٌ من أمور الدين أو الدنيا فزع إلى الصلاة وقال لبلال: «أقم الصلاة أرحنا بها«(5).

4- الصبر يعوّد المؤمن على مقاومة المعاصي والشهوات التي تلاحقه من كل جانب، فلا يتسرع ولا يستكين للمغريات التي يزيّنها الشيطان له من تسهيل السبل والأسباب الداعية لتلك المعاصي والمغريات، وهذا ما يزعج الشياطين ويدحرهم، لا سيما إذا امتزج هذا الصبر بالتوكل الخالص على الله تعالى، فإنه جلّ وعلا حينها يكفيه كيد أشرار الإنس والجن، وهذا ما أشار إليه عليه الصلاة والسلام بقوله: «إذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله قال يقال حينئذ هديت وكفيت ووقيت فتتنحى له الشياطين فيقول له شيطان آخر كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي«(6).

5-الصبر يسدل على النفس الراحة والرضى والطمأنينة، حين يكون صاحب البلاء على يقين أن ما أصابه هو بأمر الله تعالى لحكمة هو يعلمها، وما يترتب على ذلك البلاء من فضل وأجر ومثوبة تحفظ له يوم القيامة، وهذا ما عبّر الله تعالى عنه بقوله: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(7).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) [البقرة: 155-157]

(2) [هود: 49]

(3) [العنكبوت: 1-3]

(4) أخرجه البخاري (ص238، رقم 1469) كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة. ومسلم (ص423، رقم 1053) كتاب الزكاة، باب فضل التعفف والصبر والقناعة.

(5) أخرجه أبو داود (ص702، رقم 4985) كتاب الأدب، باب في صلاة العتمة. وهو صحيح.

(6) سبق تخريجه.

(7) [البقرة: 155-157]



بحث عن بحث